فحقيقته تكمن كما يقول العلامة المودودي: (… أن التجديد في حقيقته عبارة عن تطهير الإسلام من أدناس الجاهلية، وجلاء ديباجته حتى يشرق كالشمس ليس دونها غمام)([36]) والأمر أعم من ذلك لأنه يشمل بالاضافة إلى ما ذكره اعادة الطرح الإسلامي بصيغة مناسبة لمقتضى العصر، ويتناول تسليط الضوء على الجديد من القضايا التي لم تطرح سابقاً مع الحكم عليها وفق معطيات الدليل الشرعي. والتجديد تنزيل المطلق ـ الوحي ـ على الواقع ومحاكمته به، وهو كلمة تحمل الحيوية المتجددة، التي تبعث النفس للسعي الدؤوب لاعادة معالم الدين بعد أن كادت تنطمس في مختلف المجالات، وهو متوقف على الاجتهاد لأنه المحرك الأساسي لهذه العملية، وهو تلبية لحاجتي الدين والدنيا وبدونه لابد ان يضحي الإنسان بأحدهما، فمن لم يهتم به حرم خير المستجدات وفي الوقت ذاته لم يتمكن من دفع شرها لأنها ستصل إلى عقر داره لا محاله، والتجديد ليس بمتابعة كل ناعق يدعو للجديد والحداثة فليس المراد منه الاتباع، بل المراد محاكمة الجديد بالقواعد الثابتة، فالجديد منه خير محض فيجب قبوله، ومنه شر محض فيجب رده ومنه مزيج بينهما فيجب انتقاء الخير ودفع الشر ان أمكن، أو يرجح الغالب منهما عند عدم الإمكان. ولا يليق بأمة الدعوة والرسالة الخالدة أن تبقى مكتوفة الأيدي وهي تبصر بأم عينها، وتسمع بأصمخ أذنها تسابق الأمم في مضمار التقدم فمنها المجلي ومنها المصلي، فأنى لها الثبات وهي تقاتل بسيف في زمان تقصف فيه بصواريخ تعبر القارات؟!، فلابد ان تسعى قدماً لتنال المكانة اللائقة بها إذ مكانها القيادة لجميع الأمم (وكذلك جعلناكم أمَّةً وسطاً لتكونوا شهداء على الناس)([37]). ويتأكد وجوب السعي لتحقيق ذلك تباين الإنسان عن غيره من المخلوقات فلا يبقى على حاله، فسنة الارتقاء امر فطري فيه والبقاء على القديم ينافي فطرته وينزل به إلى حضيض الحيوانات. وبما أن مثالية الدين واقعية وليست وهمية، وقد قامت البراهين النصية والواقعية على ذلك، ومقاصده التي يرنو لتحقيقها تتباين طرق تطبيقها بين فينة