الإسلام دين الوحدة والإتّحاد ومنهج القصد والاعتدال فضيلة الشيخ عبدالرحمن الأشرفي رئيس الجامعة الأشرفية في باكستان بسم الله الر حمن الرحيم الاسم دين الوحدة والاتحاد، لايجمع بين مختلف المسالك والمذاهب فحسب بل الإنسانية كلها. ان القرآن الكريم يعين وحدة النوع الإنساني رغم تنوع أعراقه ومواطنه كما جاء في القرآن الكريم: (يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنَّ أكرمكم عند اللّه أتقاكم). اننا إذا تمعّنا النظر في فهم هذه الشريعة واحكامها التي تقيم الوجود البشرى على الحِكم والمصالح العامة والعدل والرحمة وكل المثل العليا. قال الامام ابن القيم (رحمه الله): «ان الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، ومن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة، - وان دخلت دخلت فيها بالتأويل - فالشريعة عدل بين عباده، ورحمة بين خلقه. فهي بالحياة والغذاء والدواء.. وكل خبر في الوجود فانما هو مستفاد منها..». ان الدين الإسلامي يربط بين قلوب معتنقيه بأواصر لا تنفصم من المحبة والأخوة والتّراحم. ورابطة الايمان باللّه وبالرسول لاتَعدلُها أي رابطة أخرى من نسب أو جنس أو لون أو لغة أو جوار أو مصالح مشتركة. الإسلام ينظر إلى كل هذه الروابط بأنها روابط سطحية لاتكاد تجمع حتى تفرق - إذا اختلفت الأهواء وتصادمت النزعات، وتضاربت المصالح. بل لا تزال تتخلل هذا الروابط الشكلية حواجز كبيرة، من إختلاف النفوس، وتمايز العناصر، وتفصل بينها الفجوات المختلفة التي تباعدها عن الوحدة والوئام، حتى تشدها أصرة الاخوة في الايمان باللّه وبرسوله. على هدى وبصيرة، ومحبة وتعاون، ومشاركة في المثل العليا. وبفضل هذا الايمان تذوب الفوارق مهما عَظُمَت وتتقارب الديارُ مهما تنائت وتسودها مبادئ الحق الثابت الخالد، الذي لا يتغير أو يزول.. وفي ذلك قال اللّه سبحانه وتعالى: (هو الّذي ايّدك بنصره وبالمؤمنين، وألف بين قلوبهم لو انفقت مافي الأرض جميعا ما الّفت بين قلوبهم ولكن اللّه ألف بينهم انه عزيز حكيم). ان الايمان باللّه وبرسوله ينافيان كل نوع من أنواع التفرق الذي يقضي على هذه الوحدة والاتحاد. ويعتبر الإسلام المؤمنين كيانا عضويا واحدا تسرى فيه روح المودة والرحمة والتعاطف، كما روى عَن النعمان بن بشير (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». ولذا فقد تخطى الإسلام كل الأوضاع التي درج الناس فيها على اتخاذ العصبيات الجنسية أو الاقليمية الأساس في تكوين الجماعات، وجعل الاعتصام باللّه والاخوة في العقيدة الرباط القوي الذي لا ينفصم، ومبدأ الخير والرحمة والعدل، وسبيل السعادة والطمأنينة والسلام للبشرية جمعاء.. وفي ذلك يقول عزوجل: (ومن يعتصم باللّه فقد هُدِىَ إلى صراط مستقيم). يكتب مؤلف شهير: وقد حذَّر الإسلام من مولاة أعداء الله بسبب رابطة من نسب أو قرابة أو صداقة أو مصالح شخصية أو منافع خاصة، وجعل الولاء للعقيدة وحدها، ودعا إلى اعتبارها المعيار الوحيد للعلائق بين الناس، ولم يعتبر الذين يوالون من حاد اللّه ورسوله من المؤمنين، ولو كان هؤلاء الذين يوالونهم من أقرب الناس اليهم رحماً أو قرابة ونسباً. وذلك حيث يقول عزوجل: (لا تجد قوما يؤمنون باللّه واليوم الاخر يوادون من حادَّ اللّه ورسوله ولو كانوا آباءهم أو ابناءهم أو اخوانهم أو عشيرتهم). ويقول سبحانه وتعالى: (يا أُيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم واخوانكم أولياء ان استحبوا الكفر على الايمان ومن يتولهم منكم فاولئك هم الظالمون). وقال اللّه سبحانه في مقام آخر: ( يا أيُّها الّذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون اليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحقّ). فالاسلام يحذّر من موالاة اعداء اللّه من يد ومن أخرى يحرص على صيانة الايمان بالله وبرسوله. ويعتبر أي دعوة إلى العصبية المفرقة هدما لروح الاخوة الإسلامية واثارة للأوضاع الجاهلية التي حاربها الإسلام وقضى عليها. قال اللّه سبحانه وتعالى: (واعتصموا بحبل اللّه جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة اللّه عليكم إذ كنتم اعداء فألف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبيّن اللّه لكم آياته لعلكم تعقلون). واخيرا يا ايها الاخوة اذكر حديثين: «عن أبي ذر (رضي الله عنه) قال: «كان بيني وبين رجل كلام وكانت أمه أعجمية فنلتُ منها، فذكرني إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال لي: أساببت فلانا؟ قلت: نعم قال: أفنلت من أمه؟ قلت: نعم. قال: انك امرؤ فيك جاهلية». وروى أن ابا ذر تاب توبة نصوحا حتى انه طلب من هذا الذي قال له: يا ابن السوداء - أن يطأ بقدمه على وجهه. روى الحافظ ابن عساكر: «جاء قيس بن مطاطية إلى حلقة فيها سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي، فقال: هذا الاوس والخزرج قد قاموا بنصرة هذا الرجل فما بال هذا فقال إليه معاذ بن جبل (رضي الله عنه) فاخذ بتلابيبه ثم أتى النبي(صلى الله عليه وآله) فاخبره بمقالته، فقام النبي(صلى الله عليه وآله) مغضبا يجر رداءه حتى أتى المسجد ثم نودي: ان الصلاة جامعة، وقال(صلى الله عليه وآله): يا أيُّها الناس، ان الرب واحد، والأب واحد، وان الدين واحد، وليست العربية بأحدكم من اب ولا أم، وإنّما هي اللسان، فمن تكلم بالعربية فهو عربي «فقام معاذ فقال: فما تأمرني بهذا المنافق يا رسول اللّه؟ قال: «دعه إلى النار» فكان قيس هذا ممن ارتد في الردة فقتل. فيا أيها الإخوة. ان ديننا يوصينا المحبة والاحترام للرأي آخر.. وعلى الأقل يجب علينا إذا أردنا أن يسود المحبة ألا نسوء الظنَّ بأحد ولا نعيب احداً. أدعو اللّه العلي القدير ان يوفّقنا لما يحب ويرضى. والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.