مدجّجين بالسلاح، انّما كانوا جمعاً حاشداً من نوع آخر يتزاحم فرسانه عل بوابات العالم الإسلامي وحواضره، في مقدّمتهم رجال مسالمون، حملوا في صدورهم شارة الصليب، وعلماء آثار يرحلون إلى عمق التاريخ، ينقبون في اطلاله الدارسة، ويستنطقون معالم الحضارات القديمة، وتجّار يجوبون ببضاعتهم الآفاق، وأطبّاء ترافقهم أكياس الأدوية، وجوار حسناوات يتطلعن إلى حريم السلطان، وجواسيس تظاهروا بالإسلام وأطلقوا على أنفسهم الأسماء الإسلامية.. وفي هذا السياق انطلق المخطّط الجديد، وبدأ التنفيذ حينما شرع هؤلاء بالتقاطر على المنطقة وتحت واجهات عديدة من باب توزيع الأدوار([190]). ثالثاً: التعريف بكلّ ذلك لأربابهم والدوائر التي أرسلتهم لتصبح بمثابة الإسناد «العلمي» لحملاتهم على المواقع التي حدّدوها لهم. فالحملة على مصر - مثلاً - لم تكن ثمرة مشروع عرضي تولّدت من عبقرية نابليون الاسطورية أو من بنات فكره الوقّاد هكذا دفعة واحدة، وانّما جاءت نتيجة توليف لكل المشاريع السابقة التي كانت متداولة لدى «الروّاد» الأوائل، وتحقيقه المتأخّر ماهو إلا الأداة المنفذة التي استعانت بما وفّرتها لها الظروف من تطوّر تقني وغير ذلك. ومن هنا فيمكن القول بأنّ نابليون لم يرى الشرق المسلم في البدء في النصوص الكلاسيكيّة كما هو المشهور، بل من قبل الخبراء الاستشراقيّين الفرنسيّين الذين سخّروا علومهم وتجاربهم وامكانياتهم البارعة لخدمة هذا الاتجاه، ولعلّ من أبرزهم المستشرق الداهية «الكونت دوفونتي» الذي كان المؤثّر البارز في طريقة