ومن هنا ظهرت الحاجة الملحّة إلى روّاد يرتادون لها الطريق ويعتمدون على برنامج واستراتيجية توضع في هذا الاتجاه. ولم تجد غير «الاستشراق» أداة مفضّلة في تلبية مطالبها وتنفيذ مخطّطاتها، وهكذا أصبح «المستشرقون» جند الصليبيّة الأمناء وطلائعهم الذين يرتادون لهم الطريق نحو قلب الديار المسلمة، فكان عملهم يتلخّص في: أولا: ارتياد دار الإسلام بلا ضجيج، متنكّرين بثياب تجّار أو طلبة علوم دينيّة وتحت ستار معيّن، مع رصد ميزانيّة مفتوحة تغطي هذه الرحلات. كتب الدكتور جبور الدويهي يقول: في الفترة الممتدة من 1665 - 1745م طبع في فرنسا وحدها ما يزيد عن مائة وخمسين رحلة، منها على الأقلّ مائة رحلة جديدة، قسم منها كبير إلى الشرق. وممّا يساعد في زيادة الاهتمام بالشرق (الإسلامي) تشجيع الوزير الأول الفرنسي «كولبير» للمسافرين عبر مدّهم بالمال واحتياجات الرحلة، وخلق أكاديمية النقوش والآداب، وأنشأ مدرسة «شبان اللغات» الذين كانوا يُرسلون على حساب الملك إلى الشرق لدراسة اللغات الشرقية هناك([189]). ثانياً: معرفة هذه الديار وأهلها وطبائعهم وتقاليدهم وعقائدهم.. وكلّ ماهو له صلة بحيثيات حياتهم وعلاقاتهم مع بعضهم أو غيرهم. ولقد أبدع ببراعة الأستاذ حسن السعيد في تصوير هذه المهام، فقال: وهكذا انطلق صوب «طروادة» الشرق أكثر من حصان، ولكنّها لم تحمل هذه المرّة فرساناً