شخصية (لنشأة الاستشراق) عند بعض الناس الذين تهيأ لهم المال والفراغ، واتخذوا الاستشراق وسيلة لإشباع رغباتهم الخاصّة في السفر أو في الاطلاع على ثقافات العالم القديم، ويبدو أنّ فريقاً من الناس دخلوا ميدان الاستشراق من باب البحث عن الرزق عندما ضاقت بهم سبل العيش العادية، أو دخلوه هاربين عندما قعدت بهم امكانياتهم الفكريّة عن الوصول إلى مستوى العلماء في العلوم الأخرى، أو دخلوه تخلّصاً من مسؤولياتهم الدينيّة المباشرة في مجتمعاتهم المسيحيّة([188]). علاقة الاستشراق بالمسلمين: ذكرنا أنّ دار الإسلام ظلّت مرهوبة مخوفة، لم تستطع الصليبيّة المقهورة أن تحاول - مجرّد محاولة - اختراقها لعدّة قرون، وكانت المناوشات والصدامات على الثغور والأطراف تحسم دائماً لصالح المسلمين، ولمّا أجمعت الصليبيّة بجحافلها الغاشمة فحاولت اختراق الديار الإسلامية في مطلع القرن السادس الهجري بقيادة بريطانيا وفرنسا والمانيا، فواجهت صلابة وصمود منقطعي النظير، فرجعت بعد نحو قرنين من الزمان مقهورة أيضاً، بل أضافت إلى قهرها دفعها للجزية للمسلمين هذه المرّة، فزادها ذلاً واستكانة. لذا فقد عزمت الصليبيّة الحاقدة على تغيير أسلوب عملها بالاعتماد على سياسة جديدة تتأخذ من الالتفاف بلطف حول الديار الإسلامية واختراقها برفق ثم العمل على زعزعة أهل هذه الديار وتحطيم معنوياتهم أساساً لها.