ولو تأمّلنا في آية «مَثَلُ كلمة طيبة» لنراها مثلا بارزا من نمو الشريعة الإسلامية ـ ولم أر أحدا لحد الآن تنبّه لذلك ـ فإنّ «الكلمة الطيبة» تشمل العقيدة والشريعة والأخلاق ـ ولها أصول ثابتة في الكتاب والسنّة لا تتغير ولا تتبدّل. وفروع ناشئة عن تلك الأصول، مرتفعة في السماء ـ والسماء مثلٌ من اللامحدودية ـ متشعّبة ومتغيّرة حسب الحاجات. فالإسلام أصوله كأصله ثابتة وفروعه ناشطة حسب الأحوال والمستجدات تؤتي أكلها وثمارها كل حين، وفي كل مصر بإذن ربّها ولا يقف عطاءها عبر العصور. وكما ان الإسلام في الماضي تماشى مع الثقافات والآراء تفاعلا مع فلسفة اليونان بالذات ومع عرفان الهند وإيران فقد غذّاها الإسلام وربّاها من عطاءه بما لا يكاد يخطر بالبال، كذلك نشاهد العلماء والمفكّرين في هذا العصر يطبّقون الإسلام على العلوم الحديثة والأفكار الجديدة في الفن والاقتصاد، والاجتماع والحكم والسياسة وغيرها اقتداء بسلفهم الذين انكفئوا إلى أخذ الفلسفة والعرفان من الأمم السالفة وطبّقوها على ما استنبطوه من إسرار الكتاب والسنّة وهذا باب واسع لا نريد هنا أن نلجه ونخوض فيه. والحاصل أنّ الماضي مرآة للمستقبل، ويبشّرنا بكل خير في تقديرنا وتقويمنا عن الإسلام في المستقبل من جهات شتى: أولا: تقدّم العلوم وتوسّعها ـ وهي كفيلة بمعرفة اسرار الكون أكثر من ذي قبل ـ يفتح ويكشف لنا أسرارا من شريعتنا ومن كتاب ربّنا كما قال «انّ هذا إلاّ ذكر للعالمين ولتعلمنّ نبأه بعد حين» وقال: «سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم....» «فصلت 53».