الحديثة، فكرياً وثقافياً، والسبب في ذلك يرجع إلى ان الجهاز الديني فيها لم يستقل عن الجهاز السلطوي بل كان مندمجاً وذائباً فيه، حيث كان الحكم العثماني يمثل الشرعية السياسية والدينية معاً، وعندما أصبح هذا الحكم مكروهاً لدى الجماهير، لم تكن هناك جهة دينية، تكون البديل الشرعي القادر على قيادة الجماهير ضد الاستعمار، حتى الأزهر الشريف بات عاجزاً عن القيام بأي عمل تجاه الحكم العثماني الفاسد. وكان الحاكم والمفتي معاً يعيّنان من مركز الخلافة العثمانية في إسلامبول، إضافة إلى ذلك فإن التعصب التركي حرّك العصبية العربية المضادة، وعندما تحتل العصبية القومية محل العصبية العقائدية تتخذ القضية شكلاً آخر»([80]). وطالما أن الإسلام المتحرر من قيد السلطان لم يكن له مكان في تلك الدول، فإنها انتحت منحى آخر وانتهجت طريقاً غير طريق ذي الشوكة، وارتضعت من ثدي القومية، لكي تقوى على مواجهة الظروف العصبية المحيطة بها. آنها بحاجة إلى فكر لكي ترتكز عليه في تلك المواجهة العنيفة، فكانت القومية العربية هي مربط الخيل وحجر الزاوية لذلك المرتكز. اما بقية الدول التابعة للحكم العثماني، فإنها كانت تتمتع باستقلالية الجهاز الديني عن الجهاز السلطوي، ولكن بنسب متفاوتة، حسب ما تتطلبه الظروف وتمليه عليهم العقيدة والمذهب «ففي إيران والعراق، وعلى الرغم من أن الإسلام القاجاري والعثماني قد ترك انطباعاً سيئاً في قلوب الناس، إلا أن شعبي البلدين لم يخضعا نفسياً لذلك الإسلام وبما أن أغلبية الشعبين ينتمي إلى الطائفة الشيعية، لاسيما الشعب الإيراني، وبما أن الشيعة على العموم كان لهم قيادة دينية مستقلة