والحقيقة التي لا مناص من ذكرها هنا هي أن التلاقح الفكري والثقافي بين إيران والعراق بدأ منذ «مطلع القرن العاشر للهجرة (السادس عشر الميلادي) أبان حصول حدثين تاريخيين مهمين: الأول: قيام الدولة الصفوية في إيران، واتخاذها الشيعة الإمامية مذهباً رسمياً لها. والثاني: بداية سيطرة العثمانيين على العراق، الذين اتخذوا بدورهم المذهب السني الحنفي مذهباً رسمياً للدولة. فمنذ قيام الدولة الصفوية وإعلان تشيعها، أخذت إيران تؤثر، كما يذكر الأستاذ علي حسين الوردي، تأثيراً غير قليل في المجتمع العراقي، وقد اتخذ هذا التأثير على صعيد الشيعة، مظاهر سياسية واجتماعية وثقافية عديدة، فمن الناحية السياسية مثل تشيع إيران، التطور الأكثر أهمية في تاريخ الشيعة الإمامية، والذي يوازي في أهميته المكانة الرفيعة التي تتمتع بها الإمامية وفقهائهم في العهد البويهي، أما بالنسبة لعموم الشيعة في العراق، فقد مثّلت إيران الشيعية رمزاً معنوياً يزيد من تماسكهم، ويشكل ظهيراً لهم يستندون إليه في مواجهة اضطهاد السلطات العثمانية، ومن الناحية الاجتماعية، أدى تشيّع إيران إلى اتساع عملية التقارب والاختلاط بين شيعة إيران وشيعة العراق، والتي أخذت تنمو بمرور الأيام، حتى صارت قوافل الإيرانيين تتوافد تباعاً إلى العراق من أجل زيارة العتبات المقدسة أو طلب العلم أو دفن الموتى وغير ذلك. أما على الصعيد الثقافي، فإضافة للتأثير العام للثقافة الفارسية، التي أصبحت النجف وكربلاء من أهم مراكزها، فقد أعادت إيران في عهد الشاه إسماعيل، احياء الشعائر والتقاليد الشيعية التي ظهرت في العهد البويهي، حيث أخذ الشيعة في