الشعب وينهب ثرواته، وسلط عليهم ولاة مستهترين فاسدين، لا دين عندهم ليهتدوا به، ولا عقل لديهم، ليسترشدوا به طريق الهدى والصواب . وتبقى فتوى الجهاد التي أطلقها علماء الشيعة هي الفيصل الأول والأخير في تعبئة النفوس ضد الاحتلال البريطاني، وبغض النظر عن النتائج العسكرية التي أسفرت عنها «فإن حركة الجهاد هذه قد وجهت ضربة قوية للسياسة البريطانية، وحملت ذلك البعد التاريخي بدلالاته المهمة، أنّ أول تلك الدلالات هو انطلاق تلك الفتاوي من موقف شرعي إسلامي لا يحتمل التراجع ولا يضع الاشتراطات وقوامه الدفاع عن كيان إسلامي في وجه عدو أجنبي كافر، وهذا يعني ان ذلك الموقف سوف لن يرتبط أو يتأثر بهزيمة الدولة العثمانية أو انتصارها، كما أنه لن يرتبط أو يتأثر بمدى استجابة أو رفض الدولة العثمانية لهذا المطلب الإصلاحي أو ذاك»([69]). «أما الدلالة الأهم إصدار فتاوي الجهاد، فقد تجلَّت في أنها وضعت حداً فاصلاً، ورسمت الحدود للمواقف إزاء الاحتلال والمشروع البريطاني (الأوربي) أي باعتبار بريطانيا وحلفائها دولاً استعمارية معتدية وكافرة لا يمكن الحوار أو التفاوض معها. ولا ينبغي الأخذ بوعودها وشعاراتها، وهو الأمر الذي سدّ الطريق أمام تبرير الفئات والنخب السياسية التي رفعت شعارات الاستقلال للتعاون والتحالف مع بريطانيا وحلفائها، والتي أصبحت مواقفها وتصرفاتها موضع شبهه، فضلاً عن عزلها عن المجتمع الأهلي الإسلامي وتأييده»([70]).