والوعاظ من علماء البلاط والسلطان وحقيقة الأمر أن حكام تركيا قد انحرفوا عن الإسلام، واتبعوا سياسة التتريك المضادة لروح الاخوة الإسلامية، وبدأوا باتباع أقسى وأشرس أنواع الديكتاتوريات، فإن كان مفتي الدولة حريصاً حقاً على الإسلام! فأين كان حرصه عندما مارس السلطان الجرائم بحق الشعوب الرازحة تحت السيطرة العثمانية آنذاك؟! فكان الأحرى بعلماء البلاط أن يصدروا فتوى الجهاد ضد ظلم الدولة العثمانية أولا، ومن ثم الجهاد ضد الاحتلال الانجليزي للممالك الإسلامية التي كانت خاضعة لهم في ذلك الوقت. وعلى كل حال يقول الكاتب جورج انطونيوي في كتابه «يقظة العرب» (صدر بأذن السلطان في 23 تشرين الثاني عام 1914م بياناً وقعه مفتي الدولة، وثمانية وعشرون عالماً آخر، موجه إلى العالم الإسلامي، أهابوا فيه بجميع المسلمين في العالم، إطاعة الفتوى والدفاع عن الإسلام والأماكن المقدسة»([68]). أما علماء الدين الشيعة، فإنهم وعندما أفتوا بوجوب محاربة الغزاة تحت لواء الخلافة العثمانية، إنّما كانت تمثل الأخيرة الدولة الإسلامية، وان خطرها آنذاك كان أقل حتماً من الخطر الكبير الذي كان يحدق بالأمة الإسلامية من قبل الاستعمار البريطاني، إلا أن سجل التاريخ قبل الاحتلال حافل بمواقف مشرفة لبعض العلماء الشيعة ضد التطرف والفساد التركي، فإن الإمام السيد محمد كاظم اليزدي، مرجع الطائفة الشيعية آنذاك، قد دعم عشائر العراق، وخاصة في الفرات الأوسط ضد الحكم التركي، بعد أن استشرى الفساد في البلاد، وبدأ النظام المتهريء يضغط على