ـ(259)ـ فالإسلام بدعوته تلك يحرر فكرة الوطنية من مادية الأرض ويجعلها فكرة شعورية ـ لا رقعة أرضية فحسب ـ يجتمع في ظلها الناس على اختلاف الوانهم وأجناسهم وموالدهم، فإذا هم جميعاً أبناء وطن واحد. ومنطلق تلك الفكرة في الإسلام في قولـه تعالى ?إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ?،(1) وبذلك يقضي على نزعة الاستغلال العنصري فكل ما ينشأ عنه هو شعور المسلم بأن كل أرض يظللها الإسلام هي وطنه وبأن كل مسلم يعيش على الأرض هو مواطن لـه. وبناء على ذلك أيضاً فانه لا مجال لدى المجتمع الإسلامي لظهور تلك العصبيات لأنه لا يعتمد في ترابطه على وشيجة الجنس، أو عنصر الدم فالجنس الإنساني واحد، والدم البشري لا يختلف الاختلاف الذي يؤثر في تكوين المجتمع أو في التلاقي والتعاون. والإسلام في ذلك يحرص على ان يشد المجتمع بسبب قوي متين لا يخشى عليه التمزق السريع إذ ليس أسرع من تمزق رابطة تقوم على الجنس والدم. أما العقيدة فهي حبل لا توهيه الأحداث ومهما تكتلت قوى العدوان من الخارج ففي داخل هذا المجتمع المؤمن ما يتحمل عنه الضربات ويدفعها عنه حتى يضمن لـه السلامة. ولأنه ـ الإسلام ـ لا يمنع من الظلم انسانه ـ فحسب ـ بل من معارك لأنه لم تكن هناك معركة واحدة يرجع سببها إلى عصبية أو إكراه أو عدوان، بل كانت كل معارك المسلمين دفعا لظلم أو ردا لعدوان ليس غير. ________________________________ 1 ـ سورة الحجرات: الآية 10.