ـ(256)ـ العربي في عملية البناء هذه ضئيلا لا يذكر ـ وإنّما ساهمت فيها بالقسط الأوفر عناصر هلينية وعناصر من ثقافات الشرق الأدنى القديم السامية وأخرى من إيران الساسانية وأخرى من الهند وكذلك ساهمت فيه عناصر من مصر وبدو الصحراء الكبرى والبربر والأندلس، وقد صهر كل ذلك في بوتقة واحدة وخرج سبيكة إسلامية جديدة متميزة عن أصولها القديمة تميزاً كلياً وكان الإسلام هو الوقود الذي اتم هذه العملية كما كان الضمان الوحيد لصيانة هذا الشيء الجديد المدهش والمحافظة عليه، كما أعطى الشكل الإسلامي لكل ناحية من نواحي الحياة مهما كان الشيء الذي تنطوي عليه. وقد كان هذا الطابع الإسلامي هو الذي أعطى المجتمع الجديد صلابته وحيويته. وكذلك فإن التجربة الإسلامية قد برهنت على ان هذا الدين لم يلب الحاجة البشرية فحسب، انه فتح أمام الإنسان أيضاً الآفاق التي لا حدود لها، ورسم لـه الطريق واضحا لكي يستغل كل ما وهبه الله من عقل وحواس وإمكانيات في اقتحام هذه الآفاق. والقرآن الكريم كثيراً ما يحث المسلمين لأن ينتفعوا بما انعم الله به عليهم وأباح لهم الطيبات وأمرهم بالسعي وعدم القعود ورسم خطط هذا السعي حركة دائمة إلى الأمام تجدد نحو الرقي وتقدم في تيار التطور فلا وقوف ولا انتكاس وهذا المسلك السليم الذي وضحه القرآن لم يكن يعتبر إنّ بذل الجهود في سبيل التبشير بالدعوة الإسلامية واكتساب الأعضاء الجدد للمجتمع الإسلامي جهاد في سبيل الله فحسب بل انه ضاعف لذلك الثواب، فالدين الإسلامي دين البشرية جمعاء ومجتمعه أتاح الانتماء إليه لكل إنسان ودعوته عملية ديناميكية دائمة الحركة من طبعيتها ألا تتوقف في أية ناحية بل تسير في كل اتجاه حتى تغطي سطح الكرة الأرضية بمجتمع إسلامي بحت، وهذه العقيدة