ـ(209)ـ إلى العواطف الأوسع، والى الأواصر الأكبر لأشعارهم بوحدة الهدف ووحدة الوسيلة فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (لكن حمزة لا بواكي لـه)(1). فسمعها الأنصار فانتدبوا بعض النسوة للبكاء عليه، فأشعرهم بأن الشهيد هو شهيد المسلمين جميعا، هو شهيد العقيدة الواحدة والهدف الواحد والمصير الواحد لا فرق بين انتمائه إلى المهاجرين أو الأنصار أو إلى إحدى العشائر والقبائل. ومن خطواته صلى الله عليه وآله وسلم في إقامة التوازن هي التعامل مع المسلمين تعاملاً موزوناً، لا يفرق بين أحد منهم، وكان تكريمه لهم قائما على أساس التقوى والإخلاص وهما مقاييس في المدح والثناء، دون النظر إلى انتماء الفرد الخاص، فكانت علاقاته ببلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي كعلاقاته مع باقي الصحابة، وكانت علاقاته مع المهاجرين والأنصار على حد سواء دون تمييز أو ميل على أساس الانتماء الثانوي، وكان صلى الله عليه وآله وسلم في تعامله العام والخاص (يعطي كل جلسائه نصيبه... قد وسع الناس بسطه وخلقه، فصار لهم أباً وصاروا في الحق عنده سواء.. مجلسه مجلس حياء وبر وأمانة... يتعاطفون فيه بالتقوى، متواضعين يوقّرون فيه الكبير ويرحمون فيه الصغير)(2). وكان صلى الله عليه وآله وسلم يتجاوز الأزمات الطارئة بحكمة، ويسارع في علاجها قبل ان تسري وخصوصا الأزمات التي تحدث بسبب سوء فهم وقلة أدراك لحدود الانتماء والولاء الثانوي، فحينما قام أحد اليهود في إشعال نار الفتنة بين الاوس والخزرج، بتذكيرهم قتلاهم في الجاهلية وكاد القتال ان يقع بينهما، خرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخاطبهم من خلال انتمائهم وولائهم الأساسي لا الثانوي ________________________________ 1 ـ السيرة النبوية 3: 95 لابن هشام، دار إحياء التراث، القاهرة 1383 هـ 2 ـ الوفاء بأحوال المصطفى 2: 407، ابن الجوزي، دار المعرفة، بيروت.