ـ(176)ـ قليل ان الأنانية من جملة العناصر المكونة للعصبية، ولذا فإن التكبر من المجتمع المتعصب، والتواضع من المجتمع العالمي وعندما يشتد التكبر بالمتكبر يرى نفسه فوق الأنبياء عليه السلام وهم نخبة البشر ثم يشتد في المكابرة أكثر فيكابر في خالق الوجود ومدبّر الكون، ومن هنا جاء التعبير القرآني عن هذه الحالة بـ «الاستكبار» وهي صيغة استفعال دالة على تكلّف زائد في تحصيل المطلوب، وحيث ان المطلوب مما يخالف الفطرة لذا فإن التكلف الزائد ناشيء عن انحراف زائد عن الفطرة. إن المجتمع المتعصب مجتمع متكبر يرى نفسه أفضل في عنصره وخصائصه المحلية من باقي المجتمعات، كما ان هذا المجتمع المتعصب الذي يرى نفسه محوراً لغيره لا يستطيع أن يقبل بمحور آخر يوازيه حتى لو كان هذا المحور هو الله سبحانه وتعالى، ومن هنا كان الشرك من خصائص المجتمع المتعصب المتكبر الذي بلغ الذروة في التعصب للذات، فالمجتمع المتعصب متكبر على باقي المجتمعات ومشرك بالله سبحانه وتعالى، وقد تجسّد هذا الشرك قديما بمحاربة المجتمعات القبلية للأنبياء والرسالات السماوية، وحديثاً بتراوح المجتمعات القومية بين الإلحاد والعلمانية التي هي كفر مبطن قائم على أساس إطلاق محورية الإنسان في الساحة الاجتماعية وحذف محورية الله سبحانه لها وحيث ان التكبر على الله سبحانه هو حالة أسوأ وأشد انحرافاً من التكبر على الإنسان لذا فقد ركّز القرآن الكريم على محاربة الأول أكثر من محاربته للثاني، بينما حفلت سيرة المعصومين باستنكار التكبر على الناس وتحبيذ التواضع لهم، فالقرآن يحارب التكبر على الله المؤدي إلى الشرك وإلغاء المحورية الإلهية في الحياة والوجود، والسنّة تحارب التكبر على الناس، القرآن يحارب الجذور ويهدم الأسس الكبرى، والسنة تحارب الامتدادات