ـ(172)ـ ان الأخلاق تنبعث من الروح، والروح جوهر ثابت لا يختلف من إنسان لآخر: فالروح هي الأخرى عالمية بطبعها، وإذا كان معنى الأخلاق هو قيام «الأنا» برعاية حقوق ومصالح «الآخر» بل وإيثاره عليها، فهذا جوهر العالمية التي تعني وحدة الإنسانية وتعاليها على الانتماءات المحلية الهادفة إلى تمايز القوميات وغلبة بعضها البعض الآخر. وعندما نثبت عالمية الأخلاق، فإنما نثبت في الوقت نفسه أخلاقية العالمية بمعنى ان العالمية فضيلة كباقي الفضائل الأخلاقية التي لا يمكن للمجتمع الإنساني أن يحيا بدونها. فهي تعني ان تقوم «الأنا» القومية برعاية مصالح وحقوق «الآخر» القومي والحيلولة دون تحول الانتماء المحلي لأي تعصب تتمدد فيه «الأنا» القومية على حساب «الآخر» القومي، بل هي أكثر من ذلك تطارد التعصب وتعالج المفردات التي يتكون منها. فلو إننا ألقينا نظرة فاحصة على التعصب بكل دوائره الفردية والقبلية والقومية والوطنية وجدناه يتمحور حول «الأنا» فالذي يرى نفسه ومصالحه ولا يرى غيره أناني، والذي يدافع عن نفسه بالباطل متعصب والذي يباهي بنفسه مغرور، والذي يتبجح بنفسه فخور، والذي يرى نفسه فوق الآخرين متكبر. وقد تكفلت الأخلاق الإسلامية بمكافحة كل هذه العناوين والحالات لتصل إلى مجتمع فاضل خال من العصبية بكل مظاهرها ودرجاتها وأبعادها وجذورها فإن الأنانية والتكبر والغرور والعجب والفخر كلها رذائل تمثل بعضها جذوراً للعصبية كالأنانية فيما يمثل الباقي منها مظاهر لها، وقد اهتمت الأخلاق الإسلامية بمكافحة العصبية وجذورها ومظاهرها في آن واحد بما يمكن بيانه في النقاط التالية: