ـ(170)ـ حسين مؤنس إلى فريضة الحج بقوله: (... أما الحجاج فقد كانت قوافلهم تشق أرجاء العالم الإسلامي في مسيرة دائمة لا تتوقف ولا تبالي بالعقبات الطبيعية من جبال وصحاري وبحار، ولا تتراخى بسبب أخطار الحروب والقلاقل والفتن، فقد كان حجاج بيت الله الحرام من الأندلس والمغرب والسودان والصين والملايو يخرجون في رحلة الحج قبل موعده بعام أو أكثر أو أقل، ومعنى هذا انه في كل وقت تقريباً كانت هناك قوافل حجاج تقصد بيت الله الحرام، أو تعود منه الوف بعد الوف من الناس يخرجون من أطراف الأرض الأربعة ووجهتهم بيت الله... فكأنما قوافل الحج كانت أسلحة محاريث قوية تشق الأرض الإسلامية وتقلب تربتها وتأذن لشمس العقيدة في أن تتخللها في عمق وتبعث فيها الحياة، وهذا ولا شك كان في تقدير الخالق سبحانه حينما فرض على أمة الإسلام الحج إلى بيته الحرام)(1). لقد جاء الإسلام والعرب يمارسون الحج لكنه كان حجاً تتخلله الجاهلية وتشوبه مفاهيمها، فكانوا يتخذونه موسماً للتفاخر بالآباء والأنساب، وهذا يعني ان الشخصية المحلية كانت مسيطرة على أجواء الحج. فجاء القرآن ليدعو إلى ذكر الله بدلاً عن ذكر الآباء. قال تعالى: ?فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا?(2). وقد كرّس النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم الدور العالمي للحج في حجة الوداع عندما خطب في المسلمين خطبته الأخيرة التي كان منها قوله: «أيها الناس إنّ ربكم واحد وأباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب ان أكرمكم _____________________________________ 1 ـ مؤنس، د. حسين، عالم الإسلام، ص 291 ـ 292. 2 ـ سورة البقرة ـ الآية: 200.