ـ(169)ـ عداها لا شيء. بل ان الحج لا يكتفي بهذا القدر بل هو يقول للحاج: ان الشخصية العالمية التي سترتديها في البقاع المقدسة هي النموذج الأخير لتكامل الشخصية الإنسانية وان الشخصية المحلية لم تحصل على التهذيب المطلوب ولذا وجب الانخلاع عنها والاتجاه نحو الشخصية العالمية التي تستحق الولاء والانتماء، فلا ولاء أعلى من الولاء لمكة ولا انتماء أعلى من الانتماء لمجتمع الحجيج. وواضح ان عطاءات الشعورية هذه لا تنحصر بمجتمع الحجيج بل هي تعم كافة المسلمين الذين يشاطرون الحـجيج بذلك ويشاركونهم روحيا وعاطـفيا وفكريا في كل ما يقومون به من أعمال ومناسك. ثم يمضي الحاج قدماً حتى يصل الكعبة المعظمة ليطوف حولها فيكون قد بلغ الذروة في الانقطاع عن الشخصية المحلية والذوبان في الشخصية العالمية التوحيدية وقد استطاع الحج من خلال أدواره التربوية والروحية هذه من لعب دور مؤثر في تكوين الوحدة الاجتماعية بين المسلمين والتعالي على الفوارق القومية التي بينهم. يقول د. فيليب حتي: (... فالحج أتاح للزنوج والبربر والصينيين والفرس والسوريين والترك والعرب، الفقير منهم والغني، والرفيع والوضيع، أن يجتمعوا ويتآخوا على أساس الإيمان المشترك... ولا شك في أن الاجتماع في موسم الحج لـه الفضل الأكبر في تحقيق هذه الغاية)(1). يقصد القضاء على الفوارق القومية بين المسلمين. وضمن حديثه عن روافد الشعور بالوحدة في العصور الإسلامية أشار الدكتور _____________________________________ 1 ـ حتى ، فيليب ، العرب تاريخ موجز : ص 58.