ـ(168)ـ حيوي يشع على الحياة الإنسانية بمفاهيم اجتماعية متحركة وفاعلة يأتي في مقدمتها مفهوم العالمية الذي يتجلى أثره في الحج منذ اليوم الأول لممارسة المسلم هذه الفريضة. فإن المسلم يؤدي كل عباداته في محل سكناه سوى الحج فانه يحتاج إلى سفر باتجاه أرض أخرى، وهذا يعني الانخلاع عن الروابط المحلية والاتجاه نحو روابط أخرى ـ أرض، لغة، مجتمع، هي بنظر المسلم الروابط المثالية التي تستحق الدرجة العليا من الولاء والانتماء. فيبدأ الحاج بترك المدينة والأهل والأقارب والعادات والرسوم متجها روحيا وفكريا نحو بقعة ومجتمع ومناسك وعلاقات أخرى. وهي بداية توحي بالانسلاخ عن الخواص المحلية والاستعداد للتحلي بالخواص العالمية، حيث سيكون كل شيء هناك عالمياً الأرض واللغة والمجتمع والمناسك واللباس. ويتصاعد هذا الشعور حتى يبلغ مستوى مؤثراً عند الميقات حينما يخلع الحاج ثيابه التي هي آخر ما تبقى لديه من خواصه المحلية ليرتدي بدلاً عنها ثياب الإحرام التي تنتسب لأرض التوحيد فقط ولا تنتسب لأي قومية أو وطنية معينة. إن نقطة الميقات هي نقطة الفصل بين الشخصية القومية المتلاشية التي فقدت أرضها ومجتمعها وثيابها وأعرافها وتقاليدها، والشخصية العالمية المتولدة في أرض جديدة هي أرض التوحيد والمنتسبة لمجتمع جديد هو مجتمع الموحدين من كافة أقطار وأجناس الأرض والمتكلمة بلسان عالمي هو اللغة العربية لغة الشعائر والعبادات والثقافة الإسلامية وعملية الاستبدال هذه بمفردها كافية لأن تشعر الحاج بأن الشخصية المحلية التي ألفها في حياته ليست مما ينبغي التمسك به، وهذا بحد ذاته شعور معطاء، لأن عنصر الألفة من شأنه أن يضفي على الشخصية المحلية لوناً من الثبات الحتمي المتعصب المنغلق في دائرة الانا المحلية الضيقة. وكأنها كل شيء وما