ـ(163)ـ العبادة ممارسة تبدأ فردية وتنتهي اجتماعية لتحقيق الهدف المركزي للأديان المتمثل بالترقية النوعية للفرد و المجتمع. ان الصلاة كتلة عبادة تمثل بمجموعها صورة رمزية للإنسان الكامل والمجتمع المثالي في الإسلام. وبفضل عنصر التكرار تترسخ هذه الصورة في ذهنية الفرد المسلم وتعمل على ترقيته بالاتجاه المطلوب، ونجاحها في هذه المهمة يعتمد على درجة وعي الفرد ومدى قدرته التحليلية على فهم واستيعاب عناصر ومداليل تلك الصورة الرمزية. وما تنطوي عليه من قيمة بنّاءة وإيجابية. والعنصر الجماعي في الصلاة هو من جملة تلك الرموز التي تكمن فيها أنساق الحضارة الإسلامية وهو عنصر يكشف عن التوازن بين الفرد والمجتمع، وامتزاج النشاط العبادي بالممارسة الاجتماعية اليومية واشتمال الإسلام على الدين والسياسة معاً. وقيام الحضارة الإسلامية على أساس فكرة الجماعة والمحبة بين الأفراد، خلافاً للحضارة الغربية التي استولت عليها فكرة الصراع فلسفياً واجتماعياً كما سيأتي بيان ذلك في دراستنا للأبعاد الاجتماعية. إن العنصر الجماعي في العبادة يلعب دوراً مهماً في محاربة العزلة ويغرس في الفرد شعوراً جماعياً ويذيبه في حسّ عام، ويجفف من خلال ذلك روح التكبر والتفوق والاستعلاء التي تنبت في العزلة والانغلاق على الذات والطبقة والفئة، وتموت في الجو الاجتماعي المنفتح الذي يلمسه المسلم في الصلاة الجماعية عندما يقف فيها والى جانبه أو أمامه أفراد يمثلون طبقات اقتصادية أو قبلية أو قومية مختلفة. فيشعر بوحدة عارمة تهيمن على الجميع وتربطهم برباط الاخوة العقائدية وتزيل عنهم مشاعر الطبقية والعصبية والفئوية وتصهرهم في بوتقة مقدمة هي بوتقة العبودية لله سبحانه وتعالى وكأن صلاة الجماعة محاولة تربوية يراد بها تطهير عالم الشعور لدى