ـ(157)ـ في التوراة الحالية، وحالات الشعار الفارغ في النظم الوضعية كما في الأممية الاشتراكية. فإن صدور الشريعة من جهة سماوية عليا ذات كمال مطلق يجعلها شريعة عالمية بطبعها تنظر للبشرية بعين المساواة على انهم أفراد أسرتها الواحدة، كما ان توفر عنصري الإلزام والتأثير الروحي فيها يجعلانها قادرة بكفاءة على كبح جماح الأنانية التي قد تؤدي ببعض الأفراد والجماعات إلى التعالي على الآخرين والاستئثار على حسابهم. كما أن الطبيعة المحلّية المتأصلة في الإنسان، ونزوعه العميق نحو الدائرة الأنانية الضيقة، يجعل النظم الوضعية الصادرة عنه نظماً قومية بطبعها، ومن هنا ظهرت القومية في الحياة الدولية المعاصرة كحتمية لا مناص منها في بناء الدولة والمجتمع الدولي الحديث. وهي حتمية صادقة من جهة وكاذبة من جهة ثانية، فهي صادقة لأن الإنسان الحديث قطع ارتباطه بالسماء وتحضّ بالولاء لنسبه الأرضي، ومن الطبيعي أن يوالي كل إنسان البقعة والدائرة القومية التي ينتمي إليها بطريقة أنانية، وهو اختيار يفرض نفسه كحتمية على الإنسان الذي فقد توازنه بين الأرض والسماء ونظر إلى الأرض على أنها الانتماء الأول والأخير لـه. وهي كاذبة بالنسبة للإنسان المتوازن الذي لا يتنكر لأبوّة السماء لـه عندما يتمتع بدفء الأمومة الأرضية مهما كانت لذيذة. وهكذا يتضح لنا أن عالمية الشريعة الإسلامية تتعالى على الإثبات والبرهنة وإنها اتجاه طبيعي ومتأصل فيها، وهو متجذر في عمق عقيدة التوحيد ومستوعب لكل جوانب التشريع الإسلامي، وأبرز مظاهر ذلك أن الإسلام ميّز بين الخصائص المحلية والخصائص الجوهرية في الإنسان، وقد جعل موضوعه الدائم والجهة التي يخاطبها في الإنسان هي الخصائص الجوهرية كالعقل والعلم والفكر والروح والأخلاق