ـ(156)ـ المقام المعنوي لديهم، وأسرة أخرى فقدت ذلك الأب وأصبح موقعه المركزي فيها شاغراً، والأبناء نظراء متكافؤون يأنف الواحد منهم أن تكون لغيره مزيّة عليه. وبهذا يكون الجو مهيئاً للنزاع حول القضايا المشتركة بينهم ولأجل حلّ الأزمة يلجأون إلى عقد اتفاق بينهم يقوم مقام الدور المركزي الغائب للأب. وهكذا يتضح أن النظم الوضعية طريق ثانوي يُلجأ إليه عند فقد الشرائع السماوية وأن الشرائع السماوية طريق لاكتشاف الحق وإلزام المجتمع البشري به، بينما النظم الوضعية محاولة لحل الأزمة الناشئة عن تغييب الشرائع السماوية فالعقد الاجتماعي الذي نادى به جان جاك روسو عاجز عن اكتشاف الحق وعن إلزام المجتمع به، وبالتالي فهو ليس بديلاً عن الشرائع السماوية، إنّما هو خيار يفرض نفسه ويُلجأ إليه اضطراراً عند فقد الطريق الطبيعي والصحيح للتنظيم الاجتماعي، ومع وجود هذا الطريق تصبح النظم الوضعية غير مشروعة. 2 ـ والى جانب عنصر الإلزام يتمتع الأب بتأثير روحي على أبناءه مما يساعده على إنعاش الروح الأخلاقية في الأسرة، وهكذا الأمر في الشرائع السماوية فإن انبثاقها عن مصدر علوي يجعلها تحضى بتأثير روحي فعّال في الأسرة الإنسانية بنحو يتيح لها أن تكون شرائع أخلاقية، وهو امتياز تعجز النظم الوضعية عن بلوغه. 3 ـ ومن الطبيعي أن تحمل الشرائع السماوية الكمال التي يحضى بها مشّرعها الخالق الحكيم، بينما تنعكس على النظم الوضعية الضعف التي تكتنف الإنسان الذي وضعها. وإذا جمعنا هذه الامتيازات إلى بعضها ودققنا النظر فيها أمكننا الخروج بفكرة مفادها أن الشريعة السماوية لا يمكنها إلاّ أن تكون عالمية، وان النظم الوضعية لا يمكنها إلاّ أن تكون قومية. طبعاً باستثناء حالات الانحراف في الشرائع السماوية كما