ـ(18)ـ ذلك تفسيرا قوميا، أو جغرافيا، أو مدنياً... الخ. وهكذا ينفتح امامنا بحث المنهاج الإسلامي في العالمية من خلال الدولة والقانون والعبادات، التي جاءت صياغاتها تكريسا عملياً لهذه العالمية من ناحية، وضمانا لها امتاز به الإسلام على غيره من الرسالات الإلهية من ناحية أخرى. فمثلا الحج الذي أذن به إبراهيم عليه السلام في الناس بنص القرآن ـ وهو شيخ الأنبياء، وجدّ الإسرائيليين، بقي محصوراً في أبناء إسماعيل، تمكن الإسلام خارجيا ان يرتقي به إلى عبادة عالمية، ومن خلال صيغة واقعية تجسد هذه العالمية خارجياً، بل تحولت إلى ضمان واقعي لهذه العالمية، كما نشاهده في كل التاريخ. لقد استطاع الإسلام من خلال برنامجه القانوني، ومنهاجه العبادي، أن يحطم كل الحواجز الاجتماعية والنفسية، بين القوميات، والطبقات، والأسياد، والعبيد، ليخلق أمة إسلامية واحدة عالمية، تتمتع بمواصفات الأمة الواحدة، في الهموم والمشاعر والأهداف والعلاقات الإنسانية والممارسات العبادية. وهذا ما لا نجده حتى في الحضارة الغربية، التي حاولت ان تتحرر من هذه القيود، تحت شعار حقوق الإنسان ووحدة الأهداف الإنسانية في الحياة والمصالح المشتركة، وسيطرة العلم التجريبي (العلمانية) ولذّات الدنيا. فهي لا زالت تعاني من الانقسامات العرقية والجغرافية والغنى والفقر والشمال والجنوب، ولازال الرجل الأبيض كحالة عامة إنسانية ينظر فيها الكثير من التعالي والشعور بالامتياز والحقوق، ولازالت الولايات المتحدة الاميركية ـ وهي سيد العالم الغربي ـ وأوروبا الغربية تتعامل مع بقية الشعوب في هذا العالم من موقع هذا الإحساس.