ـ(498)ـ نفسه فهو شهيد، كل هذا في سبيل الاندفاع نحو مجابهة الظلم بشتّى صوره، حتى يصل المجتمع الإنساني لمرحلة ينتفي فيه الظلم والاستبداد فتتفجّر طاقاته ويعمل الجميع متحابين متكافلين. صعد أمير المؤمنين عليه السلام المنبر ذات يوم ليعظ الناس وتطرّق فيما تطرّق لـه إلى أنواع الظلم فقال ـ عليه السلام ـ: «ألا وإنّ الظلم ثلاثة، فظلم لا يُغفر وظلم لا يُترك وظلم مغفور لا يُطلب، فأما الظلم الذي لا يُغفر فالشرك بالله تعالى، قال تعالى: ?إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ? وأمّا الظلم الذي يُغفر فظلم العبد نفسه عن بعض الهَفنات (صغائر الذنوب) وأمّا الظلم الذي لا يُترك فظلم العباد بعضهم بعضاً، القصاص هناك شديد ليس هو جرحاً بالمدى ولا ضرباً بالسياط ولكنه ما يُستصغر ذلك معه فايّاكم والتلّون في دين الله سبحانه..»(1). في هذا المقطع الشريف من كلام أمير المؤمنين ومولى الموحدين عليه الصلاة والسلام يتضح لنا إنّ ظلم العباد بعضهم لبعض هو الذي يجب أن يحذرهُ العباد وان يبتعدوا عنه بصورة أسرع من أنواعه الأخرى لئلا يوقعوا أنفسهم في شراك القصاص والعذاب حيث لا يخلّصهم مخلّص ولا ينفعهم فداء مهما عظُم. الاستضعاف وعدم نصرة الحق والتخاذل عن الحق وعدم المطالبة به مما يوقع المرء تحت الظلم ويجعله من الخاضعين للظالم فيستضعفه ويأسره، فلا أقل لهذا المستضعف ان لم يستطع مجابهة الظالمين ان يفر بدينه ونفسه فأرض الله تعالى واسعة فان لم يفعل كان كالذي ساعد على نفسه، واستثنى سبحانه وتعالى من هؤلاء من لا يجد حيلة في الفرار ولم تساعده _______________________ 1 ـ نهج البلاغة - صبحي الصالح ص 255.