ـ(443)ـ الفصل الأول: المساواة في الخصائص الذاتية والتصورية المساواة في غريزة التدين والانتساب للخالق انّ المنهج الإسلامي لم ينشأ في فراغ، ولم يتحرك في فراغ، ولم ينشأ في قوالب ومظاهر مثالية، وإنّما ينشأ في الواقع الموضوعي للحياة، وينطلق في النفس الإنسانية من أعماقها وأغوارها ومشاعرها الباطنية، فهو منهج واقعي ناظر إلى واقع الإنسان من حيث هو إنسان بما يحمل من غرائز روحية ومادية; ولهذا فهو يساوي بين الناس في إيداع أهم الغرائز في ذواتهم، وهي غريزة التديّن والشخوص نحو المطلق، فهم متساوون في ذلك، ومتساوون في التأثر الوجداني بعالم الغيب، قال المسيو بوشيت: «ان اعتقاد الأفراد والنوع الإنساني بأسره في الخالق اعتقاداً اضطراراً قد نشأ قبل حدوث البراهين الدالة على وجوده، مهما صعد الإنسان بذاكرته في تاريخ طفوليته، فلا يستطيع أن يجد الساعة التي حدثت فيها عقيدته بالخالق، تلك العقيدة التي نشأت صامتة وصار لها اكبر الآثار في حياته»(1). والإيمان بالله تعالى مودوع في أعماق الضمير الإنساني، قال برودون: «ان ضمائرنا قد شهدت لنا بوجود الله قبل أن تكشفه لنا عقولنا»(2). وغريزة التدين مشتركة بين الناس جميعاً كما ورد في معجم لاروس للقرن العشرين: «انّ الغريزة الدينية مشتركة بين كل الأجناس البشرية، حتى أشدها همجية، وأقربها إلى الحياة الحيوانية... وانّ الاهتمام بالمعنى الإلهي وبما فوق الطبيعة هو إحدى __________________________________ 1 ـ دائرة معارف القرن العشرين 1: 483، محمد فريد وجدي، دار المعرفة، بيروت، بدون تاريخ. 2 ـ م. ن 1: 483.