ـ(425)ـ الإسلام العجيب، يرتد عنه زعيم كبير ومعه خمسمائة من الرجال، فلا يأبه بهم في سبيل ان يقيم العدل ويحقق المساواة. وربما انصرفت الأذهان إلى أن حب العدل والمساواة والتسامح، مقصور على عمر بن الخطاب رضي الله عنه. والحقيقة مغايرة لذلك. فهذه سمات إسلامية عامة، وإنّما برز كثير منها في عهد عمر لطول مدة خلافته. بيد انها سجايا رموز الإسلام على مر الأزمان. ها هو ذا أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، يخطب المسلمين وهو خليفة فيقول: «ما أمرتكم به من طاعة الله فحق عليكم طاعتي فيما أحببتم وما كرهتم وما أمرتكم به من معصية الله فلا طاعة لأحد في معصية. الطاعة في المعروف» (الإمام المودودي الحكومة الإسلامية ـ ص 386). أرأيت هذا التواضع الذي كان الإمام مثلا فيه ! وهل نسينا ما كان منه مع أحد قضاته حين رفض الإمام ان يعامله القاضي بغير ما يعامل خصمه، وكان من أهل الذمة (انظر ص 6 من هذا البحث) أليس ذلك شاهدا على إنسانية الإسلام التي يمثلها الإمام! وتقوم في عهده ـ رضي الله عنه ـ فتن كقطع الليل المظلم، وتضج الأرض من بذاءات الخوارج عليه، ومن إساءاتهم إليه، فلا يخرجه ذلك عن عدل الإسلام الذي استيقنته نفسه الكريمة، ولا يبعده عن إنسانيته العظيمة. «وحدث ان قبض على خمسة منهم، وهم يسبونه ويتوعدونه، ومع ذلك أطلق سراحهم» الإمام المودودي ـ الحكومة الإسلامية ـ ص 408). ان الشواهد على إنسانية الإسلام، لا تتسع لها المجلدات الضخمة. وان ما سبق من أمثلة عليها ما هو إلا قطرات من لجج متلاطمة.