ـ(424)ـ عليه ابن الوالي بالضرب وهو يقول: كيف تسبق ابن الاكرمين ؟! وصمم القبطي على اخذ حقه، فسافر إلى دار الخلافة في المدينة المنورة، ورفع شكواه إلى أمير المؤمنين. وأرسل الخليفة في طلب والي مصر مع ابنه المقصود، وفي مجلس الخليفة ناول عمر درته إلى الفتى القبطي وقال لـه: اضرب ابن الاكرمين. فلما أخذ بحقه قال لـه عمر: أدرها على صلعة عمرو. قال الفتى القبطي بأدب: ضرب من ضربني يا أمير المؤمنين. فتناول ابن الخطاب منه الدرة، وضرب بها عمرو بن العاص ـ والي مصر ـ على رأسه وهو يقول ما سطره التاريخ بأحرف من نور: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟!». فهل في الأرض عدل كهذا العدل، وهل في مذاهب الناس إنسانية كهذه الإنسانية ؟! وإلي مصر يضرب لأن أبنه ضرب فتى من عامة الناس، ونصراني المذهب، وليس من القوم الحاكمين ! انها إنسانية الإسلام وعدل الإسلام اللذان يتفقدهما الناس في هذه الأيام. أما قصة الأعرابي مع جبلة بن الابهم، فشاهد آخر على إنسانية الإسلام. فقد كان جبلة بن الأهم هذا أحد كبار زعماء القبائل العربية، وكان ذا عظمة وذا ثراء. وكان يجر ثوبه من باب التعاظم والكبرياء. وبينما كان يطوف بالكعبة المشرفة، داس أعرابي على ثوبه بغير قصد. فلطمه جبلة على وجهه. فرفع الأعرابي أمره إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. فقضى عمر للأعرابي بأن يلطم جبلة كما لطمه سواء بسواء. فاستشاط ابن الأيهم غضبا وقال: ولكنني من الزعماء وهو من السوقة. قال عمر: الإسلام سوى بينكما. قال جبلة: فأمهلني إلى الغداة، فأمهله. وفي عتمة الليل فر من المدينة في خمسمائة من أصحابه، ولحق بالروم. فيالهذا