ـ(423)ـ وحطم ما حول الكعبة من الأصنام، التفت إلى زعماء قريش وقال: «يا معشر قريش؛ ما ترون إني فاعل بكم ؟! قالوا: خيرا، أخ كريم وابن اخ كريم. قال: فإني أقول لكم ما قال يوسف لاخوته: لا تثريب عليكم اليوم، أذهبوا فأنتم الطلقاء» (رواه ابن اسحق وابن هشام في السيرة النبوية). أية إنسانية هذه ؟ ! وأي تسامح هذا من سيد المرسلين وخاتم الأنبياء ؟! ومع من ؟! مع ألد الأعداء، الذين وقفوا في وجهه وناصبوه العداء. فهل في مذاهب الناس ـ غير هذا الدين ـ، مثل ما فعل مع قريش سيد المرسلين ؟ ! ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وسرت هذه الإنسانية في نفوس أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وآل بيته رضوان الله عليهم، سريان الماء السلسبيل في الجداول الطيبة. لقد شربوها مع مباديء الإسلام، كما تشرب الأشجار الطيبة مياه الغمام، فكانوا مثلا رائعا في تطبيقها، على بني قومهم أو اتباع دينهم وعلى غيرهم من الناس. لقي عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يهوديا عجوزا يتسول في حواري المدينة، فسأله عما ألجأه إلى ذلك فقال: الحاجة يا أمير المؤمنين. فقال عمر قولته التي تنبع من إنسانية الإسلام ورحمته بكل العالمين، سواء أكانوا من اتباعه أم كانوا من المخالفين: «ما أنصفناك ! أخذنا منك الجزية شابا، وتركناك شيخاً. ثم أمر لـه بما يكفيه من بيت مال المسلمين. وإذا كان الإسلام عادلا هذا العدل ومتسامحا هذا التسامح مع اليهود، فقد كان أشد عدلا وأكثر تسامحا مع النصارى. وقصة عمر بن الخطاب مع الفتى القبطي من مصر، قصة يتغنى بها التاريخ. فقد تسابق ذلك الفتى القبطي مع ابن عمرو بن العاص ـ والي مصر في ذلك الزمان - ولما سبق الفتى القبطي، اعتدى