ـ(388)ـ 5 ـ استضعاف الآدميين، والاستقواء على الآخرين، جرائم بشعة يرفضها المنهج الإسلامي ان التعالي على الناس، واستضعافهم والاستقواء عليهم، لون من الظلم الشديد. وكان مكانه المبحث السابق، وقد أفرد لـه مبحث خاص لشدة خطورته على المجتمع، فهو يقطع أوصاله، ويهلهله ويضعفه، ويجعل من أهله شيعا وأحزابا يعتدي بعضهم على بعض، ويتجرع بعضهم بأس بعض. وقد نعى الله على المتكبرين الذين يفعلون ذلك، وأظهر عملهم بمظهر مستهجن مرفوض، وفي مقدمة أولئك النفر فرعون وملؤه، قال جل شأنه: ?إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ?(القصص 4 ). وقد ساعد فرعون على ظلمه كبير وزرائه هامان، كما ساعده جنوده واتباعه، فدمغهم الله جميعا بالخطيئة والإجرام، قال سبحانه: ? إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ?(القصص 8). وحتى قوم فرعون أطاعوه رغم ظلمه، واستجابوا لأمره رغم طغيانه، فقد ادعى الألوهية فلم يعارضوه، وعربد على أبناء الشعب فلم يقاوموه ?فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ?(الزخرف 54). فنزع الله منهم ملكهم العظيم، وأخرجهم مما كانوا فيه من النعيم، وصدق فيهم قول رب العالمين: ?فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ _ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ?(الشعراء 57 ـ 58) كما صدق فيهم قولـه تعالى في سورة أخرى: ? كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ _ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ _ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ _ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ?(الدخان 25 ـ 28).