ـ(34)ـ التشريع القرآني تشريع من جانب رب العالمين إلى نوع البشر، فالوطن والقوم والقبيلة لم تؤخذ بنظر الاعتبار، والكرامة للإنسان وحده، ولا فضل لإنسان على آخر إلا بالمثل والأخلاق. فترى أنه يخاطب المجتمع الإنساني بقوله:(يا أيها الناس) أو(يا بني آدم) أو(يا أيها المؤمنون) وما ضاهاها، فكسر جميع الحواجز والقيود التي يعتمد عليها المفكر المادي في التقنين الوضعي، والذي يقتفي أثر اليهود في مزعمة الشعب المختار. إن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ هو القائل بأنه ليست العربية بأب والد، وإنما هو لسان ناطق، وفي الوقت نفسه لا يعني بكلامه هذا ان العلائق الطبيعية، كالانتماء الوطني أو القومي بغيضة لا قيمة لها، وإنما يندد باتخاذها محاور للتقنين، وسببا للكرامة والمفخرة، أو سبيلا لتحقير الآخرين، وإيثارها على الدين والعقيدة، يقول سبحانه: ?لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ?(1). والعجب انه قد صدر هذا من لدن إنسان أمي نشأ في بيئة تسودها خصلتان على جانب الضد من هذا النمط من التشريع، وهما: الأمية والتعصب. وهذا الإنسان المثالي صان بأنظمته كرامة الإنسان، ورفعه إلى الغاية القصوى ________________________________________ 1 ـ سورة المجادلة: 22.