ـ(31)ـ حفظه إلى الأبد بشكله الخاص، فليس هناك تناقض بين تعاليمه والتقدم العلمي. فلو كان التشريع الإسلامي مصرّا على صورة خاصة من متطلبات الحياة لما انسجم مع الحياة، فمثلاً ينهى الإسلام عن أكل الأموال بالباطل، وعلى هذا فرّع الفقهاء حرمة بيع الدم لعدم وجود منفعة محللة لـه في تلك الإعصار الغابرة بيد أن تقدم العلوم والحضارة أتاح للبشر ان يستخدم الدم في منافع محللة لم يكن لها نظير من قبل، فعادات المعاملة بالدم في هذه الأعصار معاملة صحيحة لا بأس بها، وليس هذا من قبيل نسخ الحكم، بل من باب تبدل الحكم بتبدل موضوعه كانقلاب الخمر خلا. فالإسلام حرّم أكل المال بالباطل، فما دام بيع الدم مصداقا لتلك الآية كان محكوما بالحرمة، فلما أُتيح للبشر ان يستفيد منه في علاج المرضى خرج عن كونه مصداقا للآية، وهذا هو الذي عبرنا عنه في عنوان البحث بأن الإسلام ينظر إلى المعاني لا إلى القشور. 5 ـ المرونة في التشريع إن من ملامح التشريع القرآني مرونته وقابليته للانطباق على جميع الحضارات الإنسانية، وما ذلك إلا لأنه جاء بتشريعات خاصة لها دور التحديد والرقابة على سائر تشريعاته، وهذا التشريع أعطى للدين مرونة ومنعطفاً جديداً قال سبحانه: ?وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ?(1) وقال: ?مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ?(2). __________________________________ 1 ـ سورة الحج 78. 2 ـ سورة المائدة: 6.