ـ(30)ـ الأديرة وقلل الجبال والتسامح مع المعتدين. كما غالت اليهودية في الانكباب على المادة حتى نسيت كل قيمة روحية، وجعلت الحصول على المادة بأي وسيلة كانت، المقصد الاسنى، ودعت إلى القومية الغاشمة. لكن الإسلام أخذ ينظر إلى واقع الإنسان بما هو كائن ذو بعدين، فبالبعد المادي لا يستغني عن المادة، وبالبعد الروحي لا يستغني عن الحياة الروحية، فأولاهما عنايته، فدعا إلى المادة والالتذاذ بها بشكل لا يؤثرها على حياته الروحية، كما دعا إلى الحياة الروحية بشكل لا يصادم فطرته وطبيعته؛ وهكذا فقد قرن بين عبادة الله وطلب الرزق وترفيه النفس، فندب إلى القيام بالليل وإقامة النوافل، وفي الوقت نفسه ندب إلى طلب المعاش وتوخي اللذة، قال سبحانه: ?وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا?(1) وقال أيضاً:?قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ? ـ(2)ـ وقال علي أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ: «للمؤمن ثلاث ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يروم فيها معاشه، وساعة بينه وبين لذاتها»(3). 4 ـ النظر إلى المعاني لا الظواهر إن التشريع القرآني ينظر إلى الحقائق لا إلى القشور، فلا تجد في الإسلام مظهرا خاصا من مظاهر الحياة يكون لـه من القداسة ما يمنع من تغييره ويوجب __________________________________ 1 ـ سورة الفرقان: 64. 2 ـ سورة الأعراف: 32. 3 ـ نهج البلاغة: باب الحكم، الحكمة 93.