ـ(298)ـ العهد الدولي الأول مرتين، وفي العهد الدولي الثاني ثلاث مرات. وفي جميع الحالات ارتبطت الكرامة بحقوق الإنسان، وبالمصير الإنساني. وبذلك صار الإقرار بالكرامة الأصيلة للأسرة البشرية، مبدأ ثابتا من مبادئ الشرعية الدولية، وقاعدة راسخة من قواعد القانون الدولي. ولقد جاء في المادة الأولى للإعلان العالمي لحقوق الإنسان: «يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وهبوا العقل والوجدان، وعليهم ان يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء». وهذه المادة مقتبسة نصا وروحا، من قول مأثور للخليفة الراشد عمر بن الخطاب: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا» (1) وهذه المادة، وان كانت مأخوذة من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي أصدرته الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر، فإنها تؤكد ان الروح التي تسري في هذا الإعلان، واقعة تحت المفهوم الإسلامي للكرامة الإنسانية، ومتأثرة به إلى حد بعيد. وهذا مجال واسع ورحب للبحث والمقارنة يفضي إلى نتائج بالغة الأهمية تؤكد جميعها هيمنة التشريع الإسلامي على العديد _______________________________ 1 ـ ومناسبة هذه القولة، ان محمد بن عمرو بن العاص ضرب مصريا بالسوط وهو يقول: خذها وأنا ابن الاكرمين، وحبس ابن العاص المصري مخافة ان يشكو ابنه إلى الخليفة. فلما افلت الرجل من محبسه ذهب إلى المدينة المنورة وشكا لعمر ما أصابه، فاستبقاه عنده واستقدم الوالي ابن العاص وابنه من مصر، ودعاهما إلى مجلس القصاص؛ فلما مثلا فيه نادى عمر: أين المصري؟ دونك الدرة فاضرب بها ابن الاكرمين ! وضرب المصري محمدا حتى ائخنه وعمر يقول: اضرب ابن الاكرمين ! فلما فرغ الرجل وأراد ان يرد الدرة إلى أمير المؤمنين قال لـه: «أحلها على صلعة عمرو، فوالله ما ضربك ابنه إلا بفضل سلطانه!». قال عمرو: يا أمير المؤمنين قد استوفيت واستشفيت. وقال المصري: يا أمير المؤمنين، قد ضربت من ضربني. فقال عمر: انك والله لو ضربته ما حلنا بينك وبينه حتى تكون أنت الذي تدعه. والتفت إلى عمرو وقال: أيا عمرو ! متى تعبدتم (وفي رواية استعبدتم) الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا. الفاروق عمر، د. محمد حسين هيكل، جز: 2، ص: 198، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الثامنة.