ـ(295)ـ وقمة التشريف. ولقد تعددت مستويات الخطاب الذي يوجهه الله إلى عباده في القرآن؛ فمن المؤمنين، إلى أهل الكتاب، إلى معشر المسلمين، إلى بني آدم، والى الناس كافة. ولكل مستوى من الخطاب الإلهي دلالته الموحية والمدى الذي يبلغه معناه. والله سبحانه وتعالى يخبر في هذه الآية بأنه كرم بني آدم كافة، بصيغة الإطلاق والعموم. إن المفهوم الإسلامي للكرامة الإنسانية هو من العمق والشمول بحيث يرتقي إلى قمة عالية من العدل المطلق، ومن المساواة الكاملة، ومن الحق والأنصاف اللذين لا يشوبهما شائبة. وفي الوقت نفسه، فإن هذا المفهوم ينسجم تماماً مع طبيعة الرسالة الإسلامية الموجهة إلى البشرية قاطبة، ذلك ان الإسلام دين إنساني الدعوة عالمي الرسالة، وهي الرسالة الخاتمة من الله سبحانه وتعالى إلى الناس كافة إلى ان تقوم الساعة. لقد قامت مبادئ الإسلام وتعاليمه وقيمه كلها، على احترام الكرامة الإنسانية وصونها وحفظها، وعلى تعميق الشعور الإنساني بهذه الكرامة. وما دامت الرسالة الإسلامية تتغياً في المقام الأول، سعادة الإنسان وصالحه، وتبتغي جلب المنفعة لـه ودرء المفسدة عنه، فإن هذه المقاصد الشريفة هي منتهى التكريم للإنسان، بلك الدلالات الأخلاقية والمعاني القانونية للتكريم. والإسلام في إحاطته للكرامة الإنسانية بهذا السياج المانع من كل الآفات والأضرار التي يمكن ان تلحق بالكرامة الإنسانية، يتفوق على جميع القوانين الوضعية والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، بما لا مجال للمقارنة.