ـ(294)ـ السياقات جميعا لا تخرج الدلالة القرآنية للكرامة عن إطار المعاني الثلاثة، التشريف، والتفضيل، والتذكير بالإنعام الإلهي، مما يرسخ في الوجدان أن الكرامة أصل أصيل في النوع البشري، وهي عنصر رئيس في تركيب الطبيعة الإنسانية منذ ان خلق الله آدم. فالدلالة القرآنية إذن، تؤكد بشكل قاطع، ان الكرامة الإنسانية هي من الفطرة، وأن لا تبديل لفطرة الله التي فطر الناس عليها. المفهوم الإسلامي للكرامة الإنسانية: ويتسم المفهوم الإسلامي للكرامة الإنسانية بخاصيتي الشمول والعموم، فيكتسب بذلك عمقا ورحابة وامتدادا في الزمان والمكان. ولعل من دقائق المعاني التي ينبغي ان نفطن بها ونتنبه لها، إن آية التكريم من سورة الإسراء جاءت في صيغة العموم، فالآية تشير إلى تكريم الله لبني آدم، وليس لجماعة المؤمنين، أو لفئة دون غيرها من الناس، فالتكريم هنا، هو تكريم مطلق المعنى يشمل البشر كافة، وينسحب هذا المعنى إلى الماضي والحاضر والمستقبل، ويمتد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فمن خلال المنظور الإسلامي، فإن الإنسان مكرّم، بصرف النظر عن أصله وفصله، دينه وعقيدته، مركزه وقيمته في الهيئة الاجتماعية، ان الله خلقه مكرما ولا يملك أحد ان يجرده من كرامته التي أودعها في جبلّته وجعلها من فطرته وطبيعته، يستوي في ذلك المسلم الذي يؤمن بالقرآن كتاب الله وبمحمد بن عبد الله رسول الله ونبيه، وغير المسلم من أهل الأديان الأخرى، أو من لا دين لـه. فالكرامة البشرية حق مشاع يتمتع به الجميع من دون استثناء. وتلك ذروة التكريم