ـ(292)ـ الدلالة القرآنية: واستناداً إلى هذه الخلفية اللغوية، واستلهاماً من المعاني التي ينطوي عليها الأصل اللغوي للكرامة، نتأمل الدلالة القرآنية للكلمة في الكتاب العزيز، وقد ورد في سورتي الإسراء والفجر، فعل كرم واكرم، في السياقين التاليين، قال تعالى: ?وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً?(1)، ويدل سياق الآية على ان التكريم هو التفضيل، للترابط والانسجام والتناغم القائم بين بدء الآية وختامها: ? وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ? و ?وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً?، حيث خلقهم الله في أحسن صورة وأكمل هيئة، وميزهم بالعقل وبالاستخلاف في الأرض. ومن التكريم إلى الإكرام في قولـه تعالى: ?فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ?(2) لتتكامل العلاقة بين المعنيين في إطار الدلالة القرآنية الجامعة لأطراف الأمر كله. لقد كرم الله تعالى بني آدم كلهم، ورزقهم من الطيبات، وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلا، فتأصلت الكرامة في الأصل الإنساني تأصيلا، فتكريم الله لعباده هو تشريف لهم ما بعده تشريف. يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية من سورة الإسراء: «يخبر تعالى عن تشريفه لبني آدم وتكريمه إياهم في خلقه لهم على أحسن الهيئات وأكملها، لقوله تعالى: ?لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ?»(3). فدلالة الآية القاطعة، ان الله شرف ذرية آدم على جميع المخلوقات بالعقل، ____________________________________ 1 ـ سورة الإسراء: 70. 2 ـ سورة الفجر: 15. 3 ـ سورة التين : 4 .