ـ(290)ـ ولقد جاء الإسلام ليؤكد على أصالة الكرامة الإنسانية، وليرسخ في الإنسان إحساسه بكرامته، وليقوي تمسكه بها، وصونه لها، وذوده عنها، لأنها جوهر إنسانيته، ولب بشريته، وأسّ ذاتيته. فلقد راعت المبادئ الإسلامية في الإنسان انه أكرم الخلق أجمعين، وأنه يحمل الأمانة العظمى، وأنه مستخلف عن الله سبحانه وتعالى في الأرض، ليعمرها، وليقيم الموازين بالقسط، وليعبد الله وحده لا يشرك به أحداً، فكان الإسلام باعثاً للكرامة الإنسانية، وحافظا لها، بما جاء به من مبادئ سامية تصون للإنسان حرمته، وترعى كرامته، وتنزله المنزلة التي أنزله الله إياها مكرما مكفول الحقوق جميعا. ومن أجل ان نقف على مقام الكرامة الإنسانية في المبادئ الإسلامية، نوطئ إلى ذلك ببيان الدلالة اللغوية للكرامة أولا، ثم نأتي على شرح الدلالة القرآنية لها، حتى تتوضح أمامنا المعاني وتبين المعالم البارزة لهذا الموضوع. الدلالة اللغوية: بالرجوع إلى معاجم اللغة العربية، نجد ان كَرُمَ فلان كَرَماً وكرامة، إذا أعطى بسهولة وجاد (جاد يجود جودا) فهو كريم. وكرم الشيء عز ونفس، والسحاب جاد بالغيث، والأرض زكا نباتها. أما الكرامة فمعناها في اللغة الأمر الخارق للعادة غير المقرون بالتحدي. وكرم السحاب جاد بمطره، وكرم المطر كثر ماؤه، وكرم فلاناً أكرمه، وفلانا فضّله (1). ويتتبع دلالات هذا اللفظ، نجد ان كرّم الرجل الأمير، إذا احتفى به وعظّمه، _______________________________ 1 ـ المعجم الوسيط، المجلد 2، ص 784، دار الفكر العربي، بيروت.