ـ(266)ـ فليس صحيحاً أن الإنجليز والفرنسيين كان لهم فضل الريادة والسبق في المطالبة بها، والدعوة إليها في ثوراتهم ومواثيقهم. فقد تصور الناس نتيجة تأخر المسلمين، وتخلفهم عن السير بمقتضى أوامر دينهم، أن حقوق الإنسان مرتبطة بالعهد الأعظم الإنجليزي «ما جناكارتا» الصادر سنة 1215م. أو ميثاق توم سنة 1727م، أو إعلان الثورة الفرنسية سنة 1789 م، أو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1948م. ولكن الذي علمته الإنسانية منذ خمسة عشر قرناً، والذي ينبغي أن يعلمه الناس اليوم، أن الإسلام أعلن هذه المبادئ وقررها منذ ظهوره، وكان السباق إلى الدعوة إليها وتقريرها ورعايتها، في أوسع نطاق وأكمل صورة، وأن الدولة الإسلامية على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ والخلفاء الراشدين من بعده، وقادة المسلمين وعلمائهم، كانوا أسبق إلى تقريرها، وتطبيقها على نحو رائع، وبشكل ما تزال الأمم المعاصرة لم تبلغه، وإن مجرد مقارنة بسيطة بين التشريعات السابقة على الإسلام، وكذا المذاهب اللاحقة عليه، تظهر ريادة الإسلام وأسبقيته في هذا الباب. إن الإسلام دين حقوق الإنسان التي قررها القرآن، دستور المسلمين وكتابهم العظيم، كما أكدتها السنة الكريمة، وعمل الخلفاء، والعلماء، وتاريخ المسلمين، لقد امتلأ مسمع الدنيا كلها بصوت الرسول عليه السلام، بالوحي المنزل عليه، يعلم البشرية كلها، ويعلن لها كلها هذه الحقوق في هذا البيان الرائع المعجز: ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ?(1). ________________________ 1 ـ سورة الحجرات ـ الآية: 13.