ـ(265)ـ فكل حرية عامة في الإسلام مظهر للعقيدة والتقوى قبل أن تكون أمراً آخر، ومن ثم كانت ممارستها عبادة وخلقا، أداء للتكليف المبني على المسؤولية، وذلك ما ميزها وخصصها في الإسلام عن غيرها، وهذا ما جعل الحرية في الإسلام حقاً واجباً معاً، يؤكد ذلك أن حق الحياة مصون للإنسان شرعاً، غير انه في نفس الوقت واجب وتكليف تنهض المسؤولية عن أدائه والتصرف فيه، ولنضرب لذلك مثلاً بحق الحياة نفسه، فإذا كان من حق الإنسان أن يحيا، فإن من واجبه أيضاً أن يحيا، أداءً لأمانة التكليف وعمارة الدنيا، في ظل العبودية لله وتنفيذ شرعه، فليس حياته حقا خالصاً لـه يتصرف فيه كيف يشاء، وإنّما خلق ليؤدي واجباً لنفسه ولغيره، ولا يتأتى هذا إلا إذا كان واجباً عليه أن يحيا، لأنه لم يخلق عبثا ولا سدى: ?أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى?(1). لذلك يكون الاعتقاد بثبوت هذه الحقوق شرعاً بالتكليف والمسؤولية، هو منطلق ممارستها في المجتمع الإسلامي، تبعاً لمفهومها المنوط بالطابع الاجتماعي الإنساني. هذا ولا نعلم تشريعا غير الإسلام، يؤصل من الأحكام العملية، والضمانات الحقيقية ما يجعل اندماج حياة الفرد في حياة الأمة أمراً واقعاً، بحيث تصبح قواماً موحداً، كما تندمج الارادات الفردية، حتى تصبح إرادة معنوية عامة للمجتمع، يتقرر على ضوئها مصيرهم جميعاً في حياتهم الدنيوية(2). ومن أجل ذلك أبادر إلى القول: بأن ما ادعته وتدعيه الدول المعاصرة، من كونها كانت السباقة إلى الدعوة إلى حقوق الإنسان وتقريرها، وأن لها فضل الريادة في تطبيقها ورعايتها غير صحيح، وها هو التاريخ الحضاري والإنساني خير دليل وشاهد، ________________________ 1 ـ سورة القيامة: الآية: 36. 2 ـ حقوق الإنسان في التشريع الإسلامي ص 39.