ـ(213)ـ الأعظم في افتراق الأمة على حسب ما اقتضاه نظركم الواسع في بيان الجامعة الإسلامية. وللتفرق أسباب أخرى منها التحاسد أو التباغض والتكالب على الحظوظ العاجلة، وفيها طلب الرئاسة والاستبداد بالأمر. وجمع الأمة على الفطرة الإسلامية بعد تشعب الخلاف ممكن عقلا مستحيل عادة، وإذا أراد الله أمرا كان ?لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ?(1). والساعي في الجمع مصلح لا محالة وأقرب الطرق لـه ان يدعو الناس إلى ترك الألقاب المذهبية ويحضهم على التسمي بالإسلام، فإن الدين عند الله الإسلام. فإذا أجاب الناس إلى هذه الخصلة العظيمة ذهبت عنهم العصبية المذهبية ولو بعد حين، فيبقى المرء يلتمس الحق بنفسه، ويكون الحق أولا عند آحاد الرجال ثم يفشوا شيئاً فشيئا حتى يرجع إلى الفطرة، وهي دعاية الإسلام التي بعث بها محمد عليه الصلاة والسلام، وتضمحل البدع شيئاً فشيئاً، فيصير الناس إخوانا، ومن ضل فإنما يضل على نفسه. ولو أجاب الملوك والأمراء إلى ذلك لأسرع في الناس قبولهم وكفيتم مؤنة المغرم، وان تعذر هذا من الملوك فالأمر عسر والغرم ثقيل. وأوفق البلاد لهذه الدعوة مهبط الوحي ومتردد الملائكة ومقصد الخاص والعام حرم الله الآمن، لأنه مرجع الكل. وليس لنا مذهب إلا الإسلام، فمن ثم تجدنا نقبل الحق ممن جاء به وان كان ____________________________ 1 ـ العقد الثمين، ج 1، ص 126 ـ 127.