ـ(200)ـ في معاملة سائر فرق الأمة وان بلغ الخلاف بينهم وبينهم ما بلغ، إذ لا يتجرأوا على إخراج أحد من الملة وقطع صلته بهذه الأمة ما دام يدين بالشهادتين ولا ينكر شيئا مما علم من الدين بالضرورة بغير تأويل، اما من استند إلى التأويل ـ وان كان أوهي من نسج العنكبوت ـ فحسبه تأويله واقيا لـه من الحكم عليه عندهم بالخروج عن حظيرة الأمة، وخلع ربقة الملة من عنقه، ومن هذا المنطلق صدر ذلك الإعلان المنصف ـ الذي رسم مبدأ الاباضية في نظرتهم إلى الأمة ـ من اشهر قائد اباضي وهو أبو حمزة المختار بن عوف السليمي، في خطبته التي ألقاها على منبر رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ، فأصاخ لهم الدهر، وسجلها الزمن، وخلدها التاريخ، إذ قال فيها ـ رحمة الله ـ :(الناس منا ونحن منهم إلا ثلاثة: مشركا عابد وثن، أو كافرا من أهل كتاب، أو إماماً جائراً)(1). وقد مشى الاباضية في هذا النهج السليم، والتزموا هذا المبدأ القويم في معاملتهم لسائر طوائف الأمة كما يشهد بذلك التاريخ، ونجد هذه النبرة المنصفة تتردد في أصوات قادة الكفر منهم في الخلف كما كانت عند السلف، فهذا الإمام نور الدين السالمي ـ رحمه الله تعالى ـ يجدد لنا موقف الاباضية من سائر الأمة بقوله: ونحن لا نطالب العبادا ___ فوق شهادتهم اعتقادا فمن أتى بالجملتين قلنا ___ إخواننا وبالحقوق قمنا إلا إذا ما نقضوا المقالا ___ واعتقدوا في دينهم ضلالا قمنا نبين الصواب لهم ___ ونحسبن ذلك من حقهم ______________________________ 1 ـ الأغاني، علي بن الحسين الأصفهاني، ج 20، ص 104، ط بولاق.