ـ(178)ـ ثم يضيف الشيخ أبو يعقوب الوارجلاني بفهمه الثاقب وقدرته على التحليل، يضيف تأثير البيئة والسياسة والصحبة على واقع الناس فيقول: وأما نصيب ظروف المكان في آفات الدين: فكالذي جرى لبعض التجار مع النصارى في بلاد ارمينية، فلقنوهم مذاهبهم، فقبله من قبله منهم. وكذلك من جاور أهل البوادي، فإن الغالب عليهم الحل والترحال والشقي في اقتناء الأموال والغارات طول الزمان والقتل والقتال. وآفة أخرى: الملوك الجورة والظلمة الذين يحملون الناس بجورهم على غير دين الله تعالى حتى يتخذ الناس طرائقهم وسننهم دينا، ويألفون ذلك ويحسبون انهم على شيء وليسوا على شيء، كسيرة الوليد بن عبد الملك والحجاج ابن يوسف في الجمعة انهم يؤخرونها إلى آخر النهار. وأما الأخوان والأصحاب والأخدان والأتراب فحسبك فيهم قول الله عز وجل حيث يقول حكاية عن بعض الكفار: ?يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا _ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا?(1)(2). وهذا الحديث ليس حكما قاطعا على مجريات الأمور، وإنّما حكاية واقع، فهو من جهة يكشف عن أثر الواقع على الناس، ومن جهة ثانية يحث على إيجاد البيئة الصالحة، فالبيئة الصالحة تؤثر على أفرادها ليكونوا مجتمعا صالحا، ويحذر من البيئة الطالحة منفرا من الوقوع في براثن سيئاتها، وليس في الإسلام الاستسلام السلبي، بل الإنسان المسلم هو الذي يصنع نفسه ومجتمعه والعالم أجمع، وكما يعتقد محمد اقبال ان المسلم لم يخلق ليندفع من التيار، وليساير ________________________ 1 ـ سورة الفرقان 27 ـ 28. 2 ـ الدليل والبرهان ج 1، ص 33 ـ 34، باختصار وتصرف غير مخل.