ـ(177)ـ والهدى بتوفيق الله تعالى وتسديده. وأما أهل الطبقة الثانية: فإنما صاروا أهل بر وتقوى لأنهم نشأوا في الإسلام من حال الصغر، فألفوا فعل البر وسبقت إليهم المخاوف التي في الآخرة، فغلبت عليهم التقوى. وأما أهل الطبقة الثالثة: أهل تواصل وتراحم، لأنهم غلبت عليهم المسودة الظلمة والملوك الفجرة، فحالوا بينهم وبين ما أفاء الله عليهم من الفيء وخراج الأرض والغنائم والعطايا، فأعقبهم التراحم بينهم البين والتواصل بما قدر به بعضهم لبعض. وأما الطبقة الرابعة: أهل تدابر وتنافر، وذلك لأنهم استولت عليهم الأئمة، فلقنوهم الإسلام الذي يأتوا به، ولقنوهم بعض أحزابهم في مفارقتهم إياهم في بعض مذاهبهم وآرائهم، ولقنوهم ان من لم يكن قويا في دينه ومذهبه ليس منهم على شيء، فوقعت الوحشة بينهم والعداوة والبغضاء، فتنافروا وتدابروا، وعزا كل واحد منهم لصاحبه ما لا يقول، فرجع التدابر والتنافر بينهم البين، بعدما كان بينهم وبين أهل الشرك أعدائهم. واما أهل هرج ومرج: فحين فتر الإيمان عن القلوب وقل العلم وكثر الظلم وقست القلوب لطول المدة وفترت لخلو المادة وانطماس الجادة، فهم يتقلبون في قدرة إبليس، ولم يرض لهم بدون الهرج والمرج. والله أعلم بمدد هذه الطبقات، وعدد هذه المدات، وما وراء ذلك من التعمق في الفتنات، التي اضطربت بأفاضل هذه الأمة في الأوقات(1). _________________________ 1 ـ الدليل والبرهان ج 1 ص 32 ـ 33.