ـ(176)ـ الناس شديد، فهو أشبه بالمغناطيس، يشد الناس إليه بكل خيره وشره، ولا يمكن ان يفلت منه إنسان إلا ان وعى أمر هذا الواقع، وحاول ان يرسم لنفسه منهجا يلتزمه، ملازما فيه هدى الإسلام، صابغا حياته بصبغة الله تعالى، مثيرا في نفسه كوامن الفطرة التي غطى عليها الواقع بغباره، ويتأتى هذا بالسير على وفق المنهج الإسلامي، الذي تدخل أوامره ونواهيه وتصوراته وحقائقه تحت الواقعية التي لا تخرج عن قدرة البشرية في فهمها والتزامها بمقتضياتها. والرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ قد نبه إلى تأثير الواقع على الإنسان بأحاديث كثيرة، ولكن نختار حديثا واحدا لشموله لواقع الناس، قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ :(أمتي على خمس طبقات، الطبقة الأولى: أهل علم وهدى، والطبقة الثانية: أهل بر وتقى، والطبقة الثالثة: أهل تواصل وتراحم، والطبقة الرابعة: أهل تدابر وتنافر، والطبقة الخامسة: أهل هرج ومرج)(1). ويشرح العلامة أبو يعقوب الوارجلاني(2) هذا الحديث تحت عنوان «نصيب ظروف الزمان في آفة الدين» بقوله: «وإنّما صار القرن الأول أهل علم وهدى، لا نهم اقتبسوا العلم مما سبق لهم من أمور الدنيا، يفهمون عن النبي ـ عليه السلام ـ الدين تلقينا علما وهدى، وقبلوه يقينا علما وهدى، فكانت علومهم وبصائرهم أقوى من أعمالهم، فمن استقى من عنصر النبوة من ذات نفسه حصل لـه العلم __________________________ 1 ـ الدليل والبرهان، أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلاني، ج 1 ص 32 ـ 33، ط وزارة التراث القومي والثقافة بسلطنة عمان، 1417 هـ / 1997 م، والحديث رواه ابن ماجة. 2 ـ هو العلامة أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلاني، عالم مجتهد من علماء الجزائر يعتبر أحد أقطاب أصول الدين وأصول الفقه في المذهب الاباضي، كما أنه موسوعي فله باع في التاريخ والجغرافيا والرحلات والاستكشاف، والمنطق والرياضيات، وله العديد من المؤلفات المعتمدة في المذهب، توفي عام 570 هـ .