ـ(136)ـ الترابط تقوم نظرية الفطرة، أما الدين فيعمل على جلاء الفطرة لتعود إلى صفائها، ويوضح لها ما تجهله من الحقائق الهائلة، ويعبد لها الطريق نحو هدفها بعد توضيحه لها ورسمه أمامها بكل جلاء. إن الأخلاق تستقي ثباتها وأسسها وأضواءها من الفطرة، وكل ادعاء خلقي ينفي هذا الثبات في المعايير وهذا الرسوخ في الفطرة، إنّما هو ادعاء فارغ ودعاية للتصريف المحلي والتموية على الآخرين. وقبل الحديث عن أخلاقية النظام الإسلامي المقام في أي مجتمع، ينبغي الحديث عن الأرضية التي يوجدها الإسلام في المجتمع ليكون مؤهلاً للتطبيق الإسلامي الجيد. ومثل هذا المجتمع لابد وان تتوفر فيه العناصر التالية: الأول: العقيدة المتأصلة في النفوس والمتعدية من مجال الإيمان المنطقي إلى مجال توجيه الوجود الإنساني كله. الثاني: الرؤى والمفاهيم التي تستمد معالمها من العقيدة وتصب مباشرة في السلوك الإنساني. الثالث: العواطف المنسجمة كل الانسجام مع العقيدة والمفاهيم. فإذا كان المجتمع المتهيئ لتطبيق الأطروحة الإسلامية بهذا النحو، فإن ذلك يعني ان الترابط الأخلاقي ـ بالمعنى الذي طرحناه ـ يسود كل الحياة الفردية والاجتماعية ويشكل روحها وإطارها بلا ريب. ويتأكد هذا المعنى عندما نؤمن بحقيقة الترابط التام بين كل أجزاء الأطروحة، فإن هذا الترابط يعني ان أي بلورة لأي جانب يتم على ضوء المسيرة المجموعية نحو الهدف الكبير تماما كما نعتقد بأن أي حركة في هذا الكون الرحيب تترك أثرها على كل المجموعة الكونية الهائلة من خلال هذا الترابط التكويني المشهود والمبرهن. وهذا الترابط