ـ(652)ـ وكانت السلطة السياسية ـ متمثلة بالأُسر الحاكمة ـ تستمد بقاءها من صلتها بالكنيسة، ولا يبالي الشعب بتصرفات الحاكم بعد ذلك «لأنهم مقدسون بالصلة النسبية» (1) التي تمنحنها لهم الكنيسة ورجالاتها، ومما يعزز نفوذ وتأثير الكنيسة حتى بعد الثورة الفرنسية وما تتمتع به من سلطات عظيمة الأهمية الدور الذي لعبته الكنيسة والذي اضطرت وفقا لـه الجمعية التأسيسية الفرنسية إلى طلب موافقة البابا على الدستور المدني ليكون شرعيا وساري المفعول في نظر الفرنسيين، وذلك في أول آب 1790، ولكن البابا بيوس السادس حكم بالشجب رسميا على الدستور المدني في 11 آذار و13 نيسان 1791، مما أدى إلى انشقاق في صفوف الاكليروس، ومن ثم الانشقاق في صفوف الأمة الفرنسية، وكانت الثورة الأهلية التي قامت فيما بعد تتضمن معنى دينيا بالإضافة إلى مضمونها السياسي»(2). وهذا يعكس لنا النفوذ المطلق في العصور الوسطى وعصر النهضة والتي سبقت الثورة الفرنسية بآماد بعيدة. غير ان هذا النفوذ يأخذ بالضمور شيئاً فشيئاً لعوامل كثيرة وظهور أفكار متعددة أدت إلى شل حركة الكنيسة وفقدانها تأثيرها السابق في الدولة والمجتمع، فقد تنامت فكرة القومية والدعوة لها، وتحالفت قواها السياسية مع رجال المال، والتجارة والطامحين إلى حرية الحركة من خلال إنشاء دولة مركزية قوية ذات سلطان مطلق على جميع الأرض وجميع السكان ومن ثم إلغاء نظام الإقطاع بصيغته السياسية والاقتصادية، فكانت تحالفات رجال الاكليروس مع السلطة الزمنية عاملا مهما في إحداث شرخ كبير بين المجتمع المسيحي والكنيسة وبالتالي إلى حدوث قطيعة فكرية وسياسية معها مما عزز ________________________________ 1 ـ برتراندراسل، حكمة الغرب، سلسلة عالم المعرفة، ج 2 ص 3 العدد 72. 2 ـ شمس الدين، العلمانية، م. س ص 136.