ـ(600)ـ وبسب تلك الحرب القومية التي اجتاحت أوروبا واستمرت حوالي عقدين من الزمن ضعفت الروح الدينية في أوروبا خاصة وإنها لم تتمكن منذ تلك الحرب من توحيد صفوفها وجمع كلمتها، بسبب اختفاء الرابطة الدينية واشتداد الروح القومية التي قال عنها فلاسفة أوروبا بأنها من سلبيات الثورة الفرنسية. لذا أيقنت أوروبا من التجربة الطويلة التي مرت بها، فأن الرابطة الدينية هي الوحيدة القادرة على جمع قوميات عديدة تحت ظلها، وان إثارة العرقية القومية هي الكفيلة بتقسيم الإمبراطورات الجامعة لعدة قوميات القائمة على أساس الدين. لذا نجد أوروبا وبالخصوص بريطانيا وفرنسا تنقل تجربة الصراع القومية التي مروا بها إلى الإمبراطورية العثمانية، إذ تحمل نفس الصفات التي كانت موجودة في أوروبا من قيامها على رابطة الدين وضمها لقوميات عديدة ومختلفة. لذا نجد أوروبا بعد تلك الحقائق التي أدركتها أخذت تمضي قدما في تثبيت القومية في العالم الإسلامي وأصرت على تنفيذ برنامج ما سمي بـ (الثورة العربية). ومما يكشف عن المخطط الواسع لتقسيم العالم الإسلامي بين الدول الأوروبية، هو انه على الرغم من التنافس الموجود بين فرنسا وبريطانيا على المنطقة ومواردها، نلاحظ ان الوثائق التاريخية تكشف عن تأييد ومساعدة أحدهما الآخر، فنجد مثلا فرنسا تؤيد ثورة لورنس وخطة بريطانيا في الجزيرة العربية.. ففي وثيقة رسمية صادرة عن وزارة الخارجية الفرنسية في 1916 جاء ما يلي: «ان إعلان الثورة العربية في الحجاز هو في مصلحة الحلفاء من عدة وجوه، فأما من الوجهة السياسية فان اتساع حتى تشمل شعوب فلسطين وسورية وأرمينيا