ـ(114)ـ أما الجانب الأول، فهو جانب متطور يتعقد بتعقد الدولة، ولذا فليس هناك أوامر محددة في هذا السبيل، بل هناك مقاييس عامة تقوم على ضوء المصلحة التي يراها الإمام بعد ان تتوفر الشروط المعينة في الموظفين كالكفاءة مثلا. فلندخل الآن إلى الجوانب المتطورة في حياة الإنسان لكي نجد علاج الإسلام لمثل هذه الجوانب. ان التغير إنّما يطرأ في الصورة، أي في شكل إشباع الحاجات الأساسية، وفي نوعية القوى والسيطرة التي يمتلكها الإنسان، وفي شكل التكوين الاجتماعي من التعقيد والبساطة، فالجوانب التنظيمية مثل: نظام المرور، ونظام التسعير، ونظام التجارة الداخلية والخارجية، ونظام التعليم، هي جوانب متطورة لا يمكن تحديدها بقوالب جامدة غير متغيرة. وهكذا مسألة علاقات الإنسان بالطبيعة فإنها بلا ريب متغيرة في الغالب من حيث اختلاف نوعية الأرض، وملائمة المنطقة لنوع من الإنتاج، ومقدار الثروة المتوفرة على ضوء حاجات المجتمع. وهذا الجانب المتغير، وضع الإسلام لتنظيمه وقواعد عامة يقوم الحاكم الشرعي بتطبيقها على ضوء المصالح التي يراها، وهو يشكل منطقة فراغ تعبر عن مرونة تشريعية عالية، ومن الطبيعي ان صلاحيات الحاكم الشرعي في الأمر والنهي تدور في دائرة المباحات ـ أو تعبرها في بعض الحالات إلى دائرة الامورات الإلزامية. فإن كان الحاكم الشرعي هنا هو الإمام المعصوم ـ عليه السلام ـ فهو الأدرى بالمصالح، وان كان الحاكم نائبا عنه عليه السلام فان الشريعة قد فتحت لهذا الحاكم باب الاجتهاد، بعد ان كان قد طوى مراحله الأولية الضرورية قبل صيرورته حاكما شرعيا،