ـ(513)ـ الأمر وقف عند هذا الحد من التفريط بل حدث ما هو أكثر تفريطاً تمثل في إنكار الدين جملة وتفصيلاً عند فئة منهم وما المقولة المشهورة عن ماركس اليهودي: «الدين أفيون الشعوب» إلاّ تعبيراً عن وجه من أوجه ردة الفعل المفرطة تلك. تكوّن نتيجة لذلك انطباع كامل لدى أفراد المجتمع مفاده أن رجال الدين «وهو تعبير قاصر عليهم» لا يفقهون شيئاً من أمور الدنيا ولا ينبغي بل ولا يصلح لأي منهم إسناد أية مهمة في أي مجال من مجالات الحياة العامة خارج إطار الكنيسة. ومرد ذلك أن الشرائع السماوية التي سبقت الإسلام ربما لم تكن بنظر اتباعها تعني بشؤون الدنيا، وجل عنايتها كانت مجرد نصائح ساعد على ذلك عدم وضوح دراسة كافية عن النظم السياسية أو عن موقع السياسية في صلب هذه الشرائع. ولا أرى الخلل بهذه الشرائع بقدر ما هو في أتباعها لأنها شرائع سماوية منزهة عن كل شبهة شأنها في ذلك شأن الشريعة الإسلامية السمحاء. بينما الرؤيا تختلف إلى الإسلام فهو في الواقع دين ودولة، ومن ينظر في كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم يجد بأن الحديث جاء عن الله وملائكته والأنبياء والجنة والنار وكل أنواع العبادات كذلك يجد بأن الحديث جاء بأكثر من آية وحديث عن شؤون الدنيا وعن القوانين والنظم التي ينبغي على المسلمين الالتزام بها. فمثال ما ورد في القرآن الكريم قول تعالى: ?وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا?(1). وقولـه تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ?(2). ________________________________ 1 ـ سورة البقرة: آية 285. 2 ـ سورة البقرة: آية 283.