ـ(512)ـ والحقيقة لا تبصر بالعين الواحدة، ولا تدرك بجزء من العقل ولا تفقه بأحد شطري القلب. بل لا بد من النظر إليها بالعينين للتمكن من إدراكها بتمام العقل وفهمها بكامل القلب. والذين ينظرون إليها بعين واحدة ليدركوها بجزء من العقل ويفهمونها بشطر من القلب. إنما يستهدفون إلى التضليل عنها لا إلى الوقوف عليها. إما عن جهل وقصور أو تعمد بقصد الإساءة أو تقليد أعمى. وقد أنحى الله تعالى باللائمة على أمثال هؤلاء بقوله عز وجل: ?وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ?(1). وتعمد الإساءة أو التضليل عن الحقيقة اتخذ عدّة وجوه: أولاً: من خلال المماثلة بين الإسلام وعلمائه والمسيحية ورجال الكنيسة في القرون الوسطى. وهذه المماثلة بعيدة كل البعد ويستحيل تطبيقها على الإسلام أو إثباتها له. لأن واقع فصل الدين عن السياسة في أوربا بل وعن بقية النشاطات الاجتماعية الأخرى جاء كما هو معروف وكما ذكر معظم المفكرين في أوربا نتيجة ردة فعل على ما كان يصدر عن رجال الكنيسة من تصرفات وعلى تحالفهم مع الملوك والأفراد آنذاك انعكس سلباً على بقية أفراد المجتمع ووصل الأمر ذروته بإصدارهم ما يعرف بصكوك الغفران مما أدى إلى التمرد على الكنيسة ورجالها وتحجيم دورهم وجعل الدين في واد وكل ما يتعلق بشؤون الناس في كافة المجالات في واد آخر وياليت ________________________________ 1 ـ سورة الأعراف: آية 179.