ـ(109)ـ الميوعة التنظيمية. فماذا تعني المرونة اذن ؟ انها تعني: أولا ـ تكتيكا وتدرجا واقعيا يلحظ ضغوط الواقع ولكنه يستهدف تعميق التصور الأصيل، والوصول إلى تطبيق الصورة التنظيمية المثلى. ثانياً: قدرة النظام على استيعاب التحولات الزمانية والمكانية والتعقيدات الاجتماعية كلها، ووضع العلاج الواقع لها في إطار الأطروحة العامة للتنظيم. وما أشرنا إليه من قبل هو المعنى الثاني، اما المعنى الأول فهو ما نحن بصدد الحديث عنه. الثانية: وهي منسجمة مع الحقيقة الأولى وملخصها هو: انه لا يمكن تصور المرونة في العقيدة، فالمرونة تعني اتخاذ موقف مؤقت يتغير بتغير الحالة وذلك للمحافظة على الموقف العام. والعقيدة ـ بما هي صفة نفسية ـ لا تتغير تحت ضغط الواقع، الذي يعلم الإنسان بأنه منحرف، والعقيدة بما هي الأساس والخط العام لا يمكن التنازل عنها بل يجب ان تبقى الروح التي تميز كل التصرفات، ومن هنا نجد ان القرآن يعرض علينا صورا لبعض المساومات العقائدية التي حاول فيها الطرف الكافر ان يجبر النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ على اعتناق بعض مبادئه ولو لبعض الوقت في مقابل مصلحة كبرى للدعوة الإسلامية نفسها، وفي مقابل ان يؤمن الطرف الآخر بالإسلام أيضاً لفترة أخرى. إلا ان الوحي يجابه أولئك بالموقف الحدي الصارم، الذي لا تنازل عنده باعتبار ان المصلحة لا يمكنها ان تبرر هذا الموقف.